غادرنا محمد سعيد ولد همدي تاركا بصماته واضحة على عدة مجالات منها أساسا النضال الحقوقي الشريف. لم تتحمل تلك الروح النقية مواصلة العيش في وطن ساد فيه الظلم البغيض والتلصص المشين والكذب الدنيء...يوم الخميس 20 أغسطس 2015 بعد الزوال أصدر حكم "قضائي" جائر ضدنا في مهزلة ألاك ، وفي تلك اللحظات فارق سعيد الحياة في أحد مستشفيات المغرب!
محمد سعيد ـ لمن لا يعرفه ـ لم يكن شخصا عاديا رغم بساطته وخفة ظله. لقد كان زاهدا في الدنيا مترفعا عن أوساخها , بل كان رجلا في تفكيره و أفعاله ، متحررا لا يملك سوى رأيه! فعلا ان الموت يختار الأفضل ، فقد عاف أناسا اخترقهم الرصاص ومزقتهم الأمراض! لقد رحل عندما يئس من اسماع صوت العقل الى من أخرسه صوت الغريزة العدوانية!
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
لقد عرفت الرجل منذ عقد من الزمن حيث التقينا في مجالات الفكر والثقافة والبحث العلمي فأصبح قدوتي في النضال الحقوقي وإمامي في الفكر التحرري الرفيع! أعود اليه بين الفينه و الأخرى لأنهل من علمه الواسع و أقتبس من ضياء عقله وحكمته و زهده وعفته!
أنا من حمل اليه الدعوة لحضور اجتماع ممهد للتظاهرة الاولى التي نظمها ميثاق لحراطين, و أنا من أجاب على أسئلته الممهدة لانضمامه لذالك الحراك ، وقيادته لاحقا! لقد كان الرجل يشجع نضالنا في ايرا ويعبر عن فخره واعتزازه بتلك الديناميكية التي استشعرها ـ حسب قوله ـ لدى الشاب بيرام الداه أعبيد. فأخذ على عاتقه أن يساهم في اطلاق العصفور فعينه مستشارا له حين كان أول و آخر رئيس للجنة الوطنية لحقوق الانسان قبل أن تصبح كتيبة الحرس الرئاسي رقم (3) بعد الأصلية (1) والبرلمانية (2).
عندما بدأ بيرام يزعج الاستعباديين الماسكين بالسلطة والمال. أمر محمد سعيد ـ لجهلهم بالرجل ـ بأن يقيله ، فرفض لغياب السبب الكافي لذالك...وعندما أنقضت مأموريته الأولى بنجاح منقطع النظير استغنى عزيز عن خدماته لأنه آبق! لكن خَلفه با مريم كويتا تولى المهمة الخبيثة بإبعاد بيرام الداه اعبيد عن اللجنة. رغم أن الاخير لعب دورا فعالا في ربط الصلة بين عزيز وبا مريم اكويتا...حين كان عزيز يتصيد بيرام لتشريع انقلابه!
لم يحصل الراحل محمد سعيد على ما يستحق ! فعلى الرغم من أنه عايش الاستقلال وكان فاعلا في السياسة وعلى الرغم من ندرة الأطر آن ذاك فلم يحصل سعيد على أي منصب يليق بمكانته العلمية لأن المناصب عندنا تمنح على أساس عرقي بل عنصري. وليس للحراطين (و لا حتى ابن الدهاه! ) فيها أي حظ ، خاصة منهم أمثال محمد سعيد من غير المطيعين لأسيادهم!
وعندما تعالت صيحات المهمشين وتوضحت عنصرية الدولة بدأت سياسة تلميع الصورة فعين محمد سعيد في آخر عمره المهني سفيرا لموريتانيا في الأمم المتحدة ـ والأمر واضح ـ ثم في واشنطن ـ والأمر أوضح ـ لكن الفقيد لم يكن الرجل المناسب لتلك المهام الدنيئة وسرعانما أقيل من منصبه وعاد الى مكتبته!
رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعا وأسرته خصوصا الصبر والسلوان وإنا لله وإنا اليه راجعون.
ابراهيم ولد بلال
من سجن العار والظلم (ألاك)
24 ـ 08 ـ 2015