يبدو أن المواطن الموريتاني لا يرى الهلال حتى يصبح بدراًً.. فحين تحدث الملياردير ولد بايه عن مسروقاته التي أذهلت العقول، أخذ الأمر أشهراً ليحظى بما يستحقه من الاستنكار و التشهير.. رغم أن ما يستحقه أكثر من ذلك.. أكثر من مجرد تنديد.. فهو يستحق الثورة الحمراء على النظام الأرعن الذي مكنّه من أن يمد يده الحقيرة إلى قوت شعب فقير.
وقد لا يوازي بطؤ تفاعل الموريتانيين مع عظائم الأمور و دواهيها غير سرعة نسيانهم لها.. فهذا العقيد المعقد الذي أتى على الأخضر و اليابس، و الذي التهم خيرات البحر كما تلتهم قروشه صغار سلمونه، هاهي الشائعات تتواتر على أنه قد يُنتدب لإدارة الحوار مع المعارضة، التي كان من ضمن ممهدات حوارها و شروطه أن يتم التحقيق في ثروته و تسييره للمندوبية البحرية.
و هكذا أيضا فإن الحديث السائد عن هيئة تكيبر بنت أحمد، أعاذنا الله من “هيئتها”، جاء متأخراً جدا.. فقد أنشأت زوجة الرئيس الموريتاني هذه الهيئة منذ وقت طويل، إلا أنه لم يتم اعتماد ترخيص رسمي لها، لحرص الرئيس على أن تظل نشاطات زوجته “سرية” فلا تثير الزنابير من أعشاشها.. خصوصا أنه من أقام الدنيا و لم يقعدها تشهيرا بهيئة السيدة الأولى ختّ بنت البخاري.
لم تروِ تكيبر منت أحمد أُوامها من المال العام، الذي نهبته كما ينهب بغاث الطيرُ سنابل الحقول.. لقد أكلت منه ما لا يأكله الأيتام من موائد الكرام:
صفقات و عمولات و ابتزاز مسؤولين و رجال أعمال، و تهريب للعملات.. و غير ذلك مما لا يخطر على قلب بشر..
اقتنت تكيبر من العقارات و المنازل في المغرب و في باريس و دبي ما حيّر العقول.. و أوقعت الجرائم الاقتصادية الفرنسية في ورطة دبلوماسية حين أرادت أن تدفع عداً و نقداً ثمن عقارات اشترتها في باريس، بقيمة ثلاثة ملايين و خمسمائة ألف يورو.. تماما مثلما أذهل ولد عبد العزيز إدارة فندق Warwick حين دفع ببطاقة ائتمانه 35 ألف يورو تكاليفَ إقامة صديقته التونسية “سمية”..
كان ذلك في 2009 حين كان مجرد جنرال إنقلابي، لا مصدر َ يدرّ عليه ربحا غير “حمام نسائي”، عصفت به سنوات الجفاف فلم يعد يجد من الحطب ما يوقد ناره.
أنها أسرة لصوص و نهبَة مال حرام..!
لنعد لموضوع هيئة تكيبر: فقد حظيت برعاية ولد عبد العزيز، الذي كتب لها توصيات للقادة و الرؤساء.. وتم تكليف البكاي سفير موريتانيا السابق في الدوحة بالبحث لها عن دعم و تمويل، فلم يترك زاوية في مكتب خليجي إلا أودعها طلبا بدعم خيرية تكيبر.. لتنهال الأموال على حسابها بمصرف BNP Paribas .. و كان من بين ما حصلت عليه تمويل بـ 3 ملايين دولار من دولة قطر، كان السبب في إقالة البكاي ولد حمادي و وزير الخارجية السابق أحمد ولد تكدي، فيما سبق أننشرت تقدمي تفاصيله كاملة.
الحقيقة أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي منعتها قفيزها و درهمها، تضافرت فيها عوامل كثيرة، منها سوء تسيير السلطات لموارد البلاد و خيراتها، و عدم كفاءة الطاقم الحكومي، و عجزه عن اعتماد استراتيجيات ناجعة في تنمية البلاد و تطويرها.. و لكن ربما يكون أكثرها ضراوة و فتكا باقتصاد البلاد هو فساد الأسرة و سرقتها الممنهجة للمال العام..
فإذا لم توقفوا هذه الأيدي السريعة كالبرق الخاطف في نهب خيراتنا، فكبّروا أربعا على بلاد كان اسمها موريتانيا..!