بعد طول انتظار تكلمت عيشَ رخمَ… ظل النذل شنوف يماطل في الرد عليّ، رغم أن من معلقي صفحته من أثاروا فيه النخوة و الحمية المغفرية، التي ماتت في عروقه، تماما كما ماتت فيها كل القيم و المثل و المباديء.. و يتعلل شنوف لتسويفه الرد عليّ بأن الأيام كانت قد قذفت به نويً شُطراً، فلم يكن يجد متسعا من الوقت.. و الحقيقة أن المشكلة ليست في الوقت الذي حرمه البعد منه، و إنما في بعد "الكاتب الشبح" (Black writer) الذي ينوب عن شنوف في كتاباته، ركيكة المعنى و المبنى.
ضعُف الكاتب و المكتوب له.!
لا يمكنني إلا أن آعترف لشنوف بملكته الأسطورية في الكذب و الاختلاق.. الرجل لا يتفوه بكلمتين إلا قتلت إحداهما الأخرى.. يلقي الكلام على عواهنه، مستخفاً بعقول قراءه،
والدعاوى ما لم تقيموا عليها
بينات، أبناءها أدعياء
ساق شنوف لي تاريخا حافلا بالنذالة و المتاجرة بالمهنة.. أُقسُم بذات الله العلية، و "إني لعقبى الحانثين عروف" أنه لم يصدق في غير إدارتي لقناة الوطنية.. ولكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا.. أنتم أحرار..!! وقد تذكرت أمام هذه الوقاحة الطافحة في قلب الحقائق، ما حدث بين الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران و وزيره الأول و منافسه في الانتخابات الرئاسية جاك شيراك خلال مناظرتهم في 24 ابريل 1988، حين كان ميتران محرجا من أن يثير غريمه شيراك أوامره له بإطلاق سراح اللبناني النقاش، بعد الحكم عليه، لضلوعه في تفجيرات ميترو باريس.. و ذلك لما أثاره إطلاق سراح النقاش من استياء الرأي العام الفرنسي.. غير أنه في استدارة ماكرة، و قبل أن يتطرق شيراك للموضوع الذي كان يراهن عليه في هزيمة ميتران، التفت ميتران إلى شيراك ليقول له ".. الأمر يشبه كثيرا، تسرعك في إطلاق سراح النقاش".. فبهت شيراك، و رد عليه: سيدي الرئيس، ضع عينيك في عيني، وقل لي أمام ملايين الفرنسيين الذين يشاهدوننا الآن، أنني من أمرت بإطلاق سراح النقاش وليس أنت".. رد عليه ميتران بأعصاب من صقيع "سيدي الوزير الأول، ها أنا أضع عيني في عينيك و أقول لك أمام ملايين الفرنسيين الذين يشاهدوننا الآن أنك من أطلق سراح النقاش".
و قد أفلح ميتران ببديهته السريعة في قلب الحقيقة، و قلب موازين الانتخابات.. و لكنه في حديث صحفي لاحق إعترف بأنه إنما بهَت غريمه شيراك.
هذا أيضا رغم البون الشاسع ما بين الظاهرة ميتران و "العاهرة" شنوف، تحاول "قملة لكطيفة" أن تقفز بأكاذيبها، ندلَ الثعالب، إلى عقول البسطاء، التي لا تنزع قشور الكلام عن لُبابه.. ليتحدث لغة ملؤها "بكم بعت… وبكم اشتريت"، حيث أن عقله كله في أمعاء بطنه، و أمعاء بطنه متعفنة مثل عقله.. و كل إناء بالذي فيه يرشح.
فلو ذمني نحويّ لدقق في إعرابي و صرفي، أو فقيه لانتقد التزامي الديني، أو صوفي لقوّم خاطري و رعونات نفسي، أو اقتصادي لأمعن في تسييري، أما و الذي ينتقدني تاجر مباديء و بائع أخلاق، فلن يجد إلإ أن يخلع علي من مثالبه، فما في نفسك يدلّك على الناس..
رمتني بدائها و انسلت.!
تحداني شنوف في أن أتحدث عن "تسجيلات أكرا" التي كنت أول من نشرها على تقدمي، و ألمح في حديثه لأشياء لم أعرف مقصده منها ، غير أنني أقسم عليه بالله أن يظهر الأشياء من ستورها و يخرج المخبئات من خدورها.. فلا ستره الله إن سترنى.
أناشد بذات الله العلية أيها التقي الورع شنوف أن تنشر كل ما تعرفه عني، و ظهيرك في ذلك: الدولة بأجهزتها و وسائلها.. و سيداتك بنات الكربيّة: توت و خيرة.
انفض وفاضك.. و انثر ما في جعبتك.، فليس في حياتي المهنية و السياسية ما يخجلني..
فأنا من كان شجىً في حلق الإقطاعيين في منطقة الركيز، الذي كتب عنه حبيب ولد محفوظ و هو لا يزال صغيرا.. و أجرى معه اباه ولد السالك مقابلة في موريتاني نوفيل..
أنا من كانت حروف ناره علقما في حلوق المستبدين، و لظى فوق جماجمهم.. أنا من لم "يثق في العسكر" ، و لم تستمله براءة "دمية الشيفون"..
أنا من قال سيدك عزيز لمجلسه العسكري بعد الإنقلاب "إنه لا يخاف غير جبهة واحدة، هي تقدمي"..
أنا الموت الذي يطرق على أسيادك مخادعهم، ويقض مضاجعهم..
أما أنت فشنوف المعروف بتملقه لأحمد ولد الطائع، إبن الرئيس الأسبق، واندماجه في خلية أمنه، فاشترى لك سيارة تويوتا عتيقة، وانتشر في الشباب حينها الحديث عن ترتيبات كنت تقوم بها لتوفير اللذة الحمراء، لسيدك ابن السراي.
انت من جمعني أول لقاء به، حين دعا محمد ولد سيدي ولد الشيخ عبد الله مجموعة من الصحافة للعشاء معه، كنت من بينهم أنا و الحسين ولد محنض و محمد سالم ولد الصوفي و عبد الرحمن ولد الزوين، وكنت حينها توجه "عمال المنزل" لتوزيع الموائد على الخوّان .
أنت ضابط المخابرات العسكرية الذي أوعز إليه الانقلابيون بأن يلازم الرئيس ولد الشيخ عبد الله، في قصره وبعد خروجه منه، ليبلغهم بتفاصيل حركاته وسكناته.. وقد اتقنت المهمة، و لتتم مكافئتك، فبركوا مسرحية لإبعادك ظاهريا من العمل العسكري، فرفضت بإملاءات منهم الذهاب إلى النعمة، لتسجن لبضعة أيام، كنت تحدثني خلالها من زنزانتك، ثم "طردوك" من الخدمة "العسكرية"، إلى "الخدمة" الصحفية.. و نلت من الامتيازات ما نلت: عقوداً.. و إعلانات.. و أسفارا رفقة الرئيس.. و الانتداب لمهام جاسوسية: ملف إيرا.. ملف المنتدى و حواره مع النظام..الخ
و لم تكتف بذلك فقمت بابتزار التجار و رجال الأعمال.. و أصبحت سمسارا لملفات العقارات مضاعفة الملكية، و هو ما كان سببا في استهدافك لشركة النجاح.. تماما مثلما استهدفت احمد ولد مكناس لأنه لم يدخل يده في جيبه فتخرج "بيضاء" من غير سوء.
أنت شنوف صديق أحمد ولد خطري الملاطف، الذي كان يحمل لزوجته حقيبتها.. والذي أبلغ المخابرات أن ولد خطري، وهو يدير صناديق القرض و الادخار، وقْع مع أربعة نشطاء في جبهة الدفاع عن الديمقراطية، من بينهم مالوكيف ولد الحسن عقود استشارة باربعمائة الف أوقية شهريا، وباسماء لا تتبادر علاقتها بهؤلاء النشطاء في عودة الشرعية، كيما يصبروا على نضالهم الجسور.. فكان هذا سببا في غضب الجنرال الأرعن على صديقك، الذي تقاسم معك خبزَه و خبَرَه.
أما الآن فقل متى دعوتك لعقد صفقة النظام؟.. وما الذي أغراني بذلك؟.. هل هو ماضيك النضالي، و شجاعتك في مقارعة الديكتاتورية، أم أنها ثقافتك الواسعة و فهمك الثاقب لخفايا ومدركات السياسة و الإعلام؟
متى كان ذلك تحديدا.. قبل سجني أم بعده، أم خلال إدارتي لقناة الوطنية؟.. حبذا لو أعطيت تاريخا محددا لذلك، حتى ينجلي بالبيّنة افتراءك وبهتانك..فجهام الكذب سريع الانقشاع.
مسلسل طويل من الأكاذيب.. تعرض فيه شنوف لما لا أريد الخوص فيه ، حرصا على أن أبعد أولادي عن مهاتراته.. غير أنني أريد أن أقطع الشك باليقين:
اعتقد أنك و الأرعن وابنه احمدُّ و مستشاره احميده و بنات شيخان و أجهزة الأمن تتواترون على عدائي، و لكم قوتكم و سلطتكم.. و لا اعتبر نفسي الحلقة الأضعف فقد اعتصمت بالله ولذت بركنه، فإذا كان لديكم من الوثائق: أوصال، أو حوالات، أو شيكات، أو عقود أو تسجيلات ما يدينني فلا ستر الله من سترني منكم.
اقطعوا دابري، واستأصلوا شافتي ببراهين دامغة، و كفاكم مهاترات..!
إن ما يقوله شنوف، يذكرني بمن تقدم له قدحا من اللبن الصريح، فيقول لك: عفوا فأنا لا أشرب القهوة.. وحين تحاول إقناعه أنه اللبن. رفع عقيرته: هذا "شنهو معناه".. إنها قهوة سوداء.. أم تعتبرني أعمي.. فلو نقل هذا الحديث للناس بتسجيل صوته دون صورته لفتّ في أعضادهم، و أثار ريبتهم.. و لكن البينة على المدعي، خصوصا حين تقوم الشواهد و القرائن على تاريخة الطويل في الكذب و الافتراء.
إن من كتب يوما في موقعه أن سبب اعتقاله على خلفية شكوى تقدم بها الشيخ ولد بايه هو أنني كشفت عند التحقيقات معي عنه مصدرا لخبر كان قد أسر به لتقدمي. و الحال أنه اعتقل بعد عدة أشهر من سجني، و أن الخبر الذي يتحدث عنه كان قد أرسله لإبي العباس عبر الإيميل، وليس إليّ، قد يعجزه كل شيء إلا التقول و التغول.
و يمكنكم الرجوع لمقال شنوف "حديث آخر عن الوطن" و مقارنة الأحداث..!
يهددني الوغد شنوف، بأنني أبعدت المرمى قبل أن أتحدث عنه بسوء.. و إذا كان في هذه الحياة المتقلبة بصروفها ما آمنه ـ لا أمِنت مكرَ الله ـ فهو صولة شنوف:
و إن أتى صائلا ذو الضعف يوعدني
فالله يعصمني من صولة الضعفا
و كما قال جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
ابشر بطول سلامة يا مربعُ
هنا سأحدثكم عن علاقتي بشنوف.. الذي كان من المفترض، لو سارت الأمور على طبيعتها أن أكون و إياه صديقين، نتبادل الزيارات، و يشد بعضنا أزر بعض، و ألاعب طفله من كريمة الشهيد، رجل المبادئ و الأخلاق محمد الأمين ولد انجيان.. ذلك الطفل "المذرع" الذي أتذكر به ما يقوله العرب من أنك إذا سألت البغل: من أبوه، قال: خالي الفرس.
ربطني به صديقنا المشترك أحمد خطري، فاكتتبته مخبرا صحفيا في "تقدمي" يزودنا بالأخبار دون أن يحررها، فقد كان عديم المستوى في الكتابة، و قد سرّب خبرا لأبي العباس عن حسابات الشيخ ولد بايه في بنك سويسري، ثم تقدم ولد بايه بشكوى منه.. فزارني في السجن محتجا أن إبا العباس كشف عنه، فأجبته: إنها من سابع المستحيلات، فرد علي: كيف تفسر إذن وجود نسخة من رسالتي لابي العباس في ملف الشكوى.. غير أنني من خلال مصادر الخاصة اكتشفت الحقيقة: فسجن شنوف كان مجرد مسرحية صورية، الهدف منها إيهام الرأي العام أن "تقدمي" تكشف مصادرها، حتى لا يثق فيها مصدر بعد ذلك.. ثم سجن ابي العباس الذي واصلت تقدمي بفضله مهمتها في كشف فضائح النظام.. وقد زودهم شنوف بنسخة من مراسلاته مع أبي العباس.. غير أنهم تراجعوا عن خطتهم، فسجني و سجن ابن خالتي قد يعتبر استهدافا لمحيط ضيق.
و عندها اطلقوا سراح شنوف بعد يومين من اعتقاله.
ظلت علاقتي بشنوف علاقة مدير مؤسسة إعلامية بمخبر صحفي، إلى أن أطلق موقعه "الطواري"، فلم نعد نلتقي إلا على منهج، كما قال العرجي.. إلى أن كتبت في 2009 مقالا بعنوان "حديث عن الوطن" تحدثت فيه عن الجندي الذي يرمي سلاحه و يستبدل به قلما، و كنت استحضر حينها ولد هيبة السياسي و المحلل العسكري الذي كان قد ملأ الدنيا حينها بتصريحاته و تحليلاته، غير أن شنوف الذي أعتبره "ضابطا" لم يخطر لي ببال.. و لكن "تازبوت" ولد هيبة، الذي أصبح فيما بعد صديقا، دفعت شنوف لأن يستكتِب معلقة في هجائي، أوليتها الصماء من أذني، و تمثلت قول الشاعر:
و لقد أمر على اللئيم يسبني
فأعف، ثم أقول لا يعنيني
و هكذا لم يوفر الوغد فرصة لا يهاجمني فيها: على اثير موريتانيد، و في موقعه الألكتروني، وفي الصالونات و المجالس.. و قد أفسد بوشايته و نميمته علاقاتي مع أشخاص أعزهم كثيرا.. و شكك في اعتداء أولاد الجيرب عليّ، وفي حرق سيارتي و منزلي.. صرّح بذمي و لوّح، و أبهم في ثلبي و أفهم.. و تتبع أخباري بتأويلها على وجهها السلبي.. كل هذا و أنا أغض طرفي على قذاه، و ألهج بالدعاء "بزين السعد" عند الشِّجار.. إلى أن طفح الكيل، فكتب ولد بلعمش مقالا جرح به شنوف، فأسرع النذل إلي شتمي، فأقذع.. وعندها استيقظت في عقلي الباطن هواية طفولتي في ملاعبة الشامبانزي.. وتذكرت بعد حلم خمس سنوات قول النابغة الجعدي:
و لا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
و قول زهير :
و من لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم
و قول عنترة:
و إذا بليت بظالم كن ظالما
و إذا وجدت أخا الجهالة فاجهل
أما ذم النذل لي بأنني لم أجلس على مقاعد جامعة أو معهد، فقد أضحكني لما يدل عليه من جهله وضيق أفقه.. لقد ثنيت رجلي ستة عشر عاما أما استاذي العلامة اباه ولد عبد الله، و ما أود لو أن لي بها حمر النعم:
إذا محاسني اللائي أدلّ بها
عدت مساويَ..قل لي كيف اعتذر
أما وقد تحديتني كثيرا، فإنني أتحداك بدلو ثلج واحد: أن تكتب جملة من العربية خالية من خطأ لغوي.
أقول قولي هذا، ثم أغسل فمي سبعا الأخيرة منها بالتراب.