مسعود ولد بلخير اسم يعرفه جميع الموريتانيين المتتبعين للشأن السياسي؛ فالرجل من أصل "الحراطين" وقد حمل مبكرا لواء محاربة العبودية وإلغاء الرق، مما كلفه مضايقات مستمرة في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع كثيرا ما انتهت به في زنزانات السجون.على الصعيد السياسي، يتولى ولد بلخير حاليا رئاسة حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يضم كذلك الجناح الناصري في البلد. ترشح الرجل للانتخابات الرئاسية الأخيرة في موريتانيا وحصل على 10% في الشوط الأول قبل أن ينضم في جولة الإعادة إلى المرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي تدعمه الأغلبية السابقة في عهد ولد الطايع والذي فاز بالرئاسة في نهاية المطاف ضد أحمد ولد داداه، زعيم المعارضة الشهير. موقف ولد بلخير الذي كان حتى ذلك الوقت حليفا لولد داداه ضمن ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي شكل مفاجأة حقيقية للمراقبين السياسيين الذين تساءلوا عن الثمن الذي عسى أن يكون قبضه مقابل هذا التحول الحاسم لنتيجة النزال. "الراية" التقت مسعود ولد بلخير في منزله بانواكشوط -رغم اهتماماته الكثيرة هذه الأيام- وكان لها معه الحوار التالي: سؤال: بداية.. ما هو تقييمكم للانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ جواب: بشكل عام، أنظر إلى هذا الاقتراع بانطباع إيجابي؛ خاصة بالمقارنة مع ما اعتاده المواطنون في السابق من عدم شفافية وتدخل سافر من جانب السلطات الإدارية. حيث لم تحدث خروقات تذكر حسب المعلومات التي حصلنا عليها، وصوت الناخبون بحرية وشفافية دون مشكلات. هنالك بالطبع ما تردد حول ضلوع السلطات الحاكمة إلى جانب بعض المترشحين، وقد حدث شيء من هذا بالفعل واستنكرناه في وقته. سؤال: قلتم أثناء الفترة الانتقالية إن المجلس العسكري -أو بعض أعضائه- يساند المرشح سيدي ولد الشيخ عبد الله، هل مازلتم على هذا الموقف؟ جواب: كان ذلك قبل الانتخابات. وعلي أية حال، قلت حينها، كما تداوله الجميع، أن المجلس العسكري الحاكم يعمل لصالح أحد المترشحين. ولكن اتضح لنا في آخر المطاف أن هذا المجلس كان منقسما على نفسه حول مرشحين اثنين هما سيدي ولد الشيخ عبد الله وأحمد ولد داداه؛ وهناك دلائل دامغة على هذا الواقع. ورغم ذلك، لم تتدخل الإدارة في تغيير الأصوات المعبر عنها من طرف الشعب وهذا هو الأهم في نظري. وأري أن نتجاوز هذه المرحلة بعدما جرت الانتخابات وانتهي كل شيء. سؤال: كنتم من أبرز رموز المعارضة السابقة، كيف أدرتم لها الظهر في اللحظة الحاسمة وتحالفتم مع أنصار ولد الطايع؟ جواب: أود أن أذكر بأن أنصار ولد الطايع موجودون في كلا الجانبين؛ أما عن دوري في المعارضة فلست أرى من بإمكانه أن يزايد علي، لا سابقا ولا حاليا؛ هذا إذا كان معنى المعارضة هو قول كلمة الصدق والبحث عن الحقيقة. ولا أرضى بأن أوصف بأنني أدرت ظهري للمعارضة اللهم إلا لدى أولئك الذين يقصدون بالمعارضة مساندة أحمد ولد داداه على سبيل المثال. لهؤلاء أقول إنني أنشأت حزبا سياسيا قبل ولد داداه، وأعلنت المعارضة قبله وسجنت قبل أن يسجن؛ وبالتالي فليس هناك مسوغ لأن أربط مصيري بأحمد ولد داداه. كما أنني -خلال مشواري النضالي- لم أعتمد على مال لتمويل حزبي كما يفعل آخرون، ولا على جاه، ولا على قبيلة، ولا على اسم أسري سبق أن تألق في مجال السياسة.. وبالتالي فإنني الأجدر بأن أكون رجل السياسة بحق؛ لأنني أنشأت من الصفر ما عجز آخرون عن إنشائه، ولعبت أدوارا لم يتمكنوا من لعبها؛ وربما لهذه الأسباب كنت محل حسد الآخرين على الرغم من أنني لست في صراع ولا منافسة مع أحد. فقط، كنت -ولا زلت- سيد مواقفي، وسيد توجهاتي، وسيد كلمتي، ولم أعمل ذات يوم في الظلام. سؤال: قلتم ذات يوم لإذاعة فرنسا الدولية إنكم ستدعمون ولد داداه لو ترشح؛ هل حصلت خلافات شخصية بينكما بعد ذلك؟ جواب: لم أجزم خلال المقابلة المذكورة على دعم ولد داداه؛ وإنما قلت إنه احتمال قائم، حيث أننا عضوان في ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي، وهذا ما يجعل مساندة أحدنا للآخر أمرا واردا لكنه ليس حتميا. ولا أعتبر عدم دعمي لولد داداه عارا لأن السياسة لها مقتضياتها الخاصة كما يعلم الجميع. المهم أن لا وجود لأية خلافات شخصية بيني وبين الرجل؛ كل ما في الأمر أنه يحق لي أن أختار بين مرشحين أو أكثر بناء على تحليلاتي وتحليلات المؤسسة الحزبية التي أنتمي إليها. سؤال: ما هو المقابل الذي سيحصل عليه حزبكم إثر دعمه لولد الشيخ عبد الله؟ جواب: لا شك أن دعمي لهذا المرشح لم يكن من باب الهدية؛ حيث لا هدايا في السياسة كما يقولون. لقد حصلنا على ضمانات من الرئيس ولد الشيخ عبد الله بشأن إعطاء عناية كبيرة لقضايا أساسية ضمن برنامجنا، وعلي رأسها إلغاء الرق؛ إذ لا يعقل أن يظل بعض المواطنين يشعرون بأنهم ليسوا أسياد أنفسهم؛ بل انهم مملوكون في دولة تتشبث بالديمقراطية وتطمح للحرية، بالإضافة إلى ما يعرف بالإرث الإنساني والمبعدين سنة 1989 والوحدة الوطنية وإعادة الثقة بين مكونات القومية الموريتانية من زنوج وعرب، وذلك بمرونة ودون إثارة مشكلات؛ ناهيك عن ملف الفقر بشكل عام. وقد تلقينا خلال مسارنا السياسي العديد من المضايقات بسبب تعلقنا بهذه الملفات الجوهرية. من جهة ثانية، يفتح لنا المجال للمشاركة في شؤون البلد بصفة مقبولة. سؤال: هل قدم لكم (الرئيس) التزاماً بمنحكم عددا محددا من الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة؟ جواب: نعم؛ لكنني لا أود الإفصاح عنه. سؤال: ما رأيكم فيما يطلق عليه حكومة وحدة وطنية تضم الأغلبية والمعارضة معا؟ جواب: أعتقد أن حكومة وحدة وطنية فكرة جيدة قد تمكن من تجاوز المصاعب المطروحة على البلد، وقد قلت شخصيا في برنامجي الانتخابي إنني -حتى ولو انتخبني الشعب في الجولة الأولي بنسبة 90%- سألجأ لجميع الشركاء السياسيين الوطنيين لتسيير شؤون البلد بوفاق -خلال المأمورية الأولى على الأقل- من أجل الوصول بسرعة للحلول الملائمة للمشكلات المطروحة بإلحاح. ولا يراد بتشكيل مثل هذه الحكومة قتل الديمقراطية ولا قتل المعارضة؛ وإنما تفعيل الشعور الوطني بالمصالح العليا للبلد. أما إن تعذر مثل هذا الطرح فإن الازدواجية هي الأخرى أمر جيد للديمقراطية حيث تمارس الأغلبية الحكم وتتولى المعارضة الرقابة والنقد والتقويم. سؤال: هل ثمة اتصالات بينكم وبين زملائكم في ائتلاف قوى التغيير؟ جواب: أجل، لقد استقبلت يوم الأحد 22 من الشهر الجاري بعثة من أعضاء الائتلاف بينهم ممثل لتكتل القوي الديمقراطية، تناولت معها بعض المواضيع من بينها رؤيتي للديمقراطية البرلمانية؛ كما أنني التقيت بشكل ثنائي مع أعضاء آخرين من المعارضة، وليست هنالك أية قطيعة بيننا. -