طالب جامعي:يقدم بحث متميز حول "العبودية في موريتانيا"

خميس, 2015-05-21 03:13

قدم الطالب الجامعي في جامعة أنواكشوط حمزة جعفر بحث حول العبودية في موريتانيا،وقد تناول الباحث العبودية كظاهرة عالمية واجتماعية. أهم جوانب العبودية في موريتانيا وانعكاساتها السلبية على التعايش السلمي وفيما يلي نص البحث:

مع أن ظاهرة العبودية باتت من ماضيات أغلب الشعوب إلا أن في موريتانيا لا يزال لها حضورا كبيرا حيث تشكل أهم معوقات التقدم والتنمية في هذا البلد والمفارقة أن موريتانيا الدولة الوحيدة في العالم المسلمة مئة في المئة وهي الدولة التي تتصدر العالم من حيث ممارسة الإستعباد بنسبة تصل حدود ال4% مما يحتم علينا أن نتسائل
ما سر وجود العبودية في بلادنا رغم مضي 14 قرنا على مجيء الإسلام الذي جاء لعتق البشرية ؟وما هو الدور الذي تلعب المؤسسة الدينية والمجتمع والدولة اتجاه هذه الظاهرة ؟ وما هي الانعكاسات التي تولدت عن ممارستها ؟
العبودية بين النص الرباني والنص الفقهي 
لقد جاء الإسلام بوصفه خطابا ربانيا من اجل كرامة الإنسان ، ورفع الظلم ،وقد ترافق مجيئه مع تحديات كبيرة لعل أهمها مسألة العبودية ، فكان من الضروري تطهيره من تلك القضايا من خلال تطهير العقيدة والعقل ، ولذلك كان الخطاب يدعوا إلى الرحمة والرأفة الإنسانية والمعاملة اللائقة ،ويقول الشيخ محمد الخضري في مذكراته أصول الفقه أن الدين جاء لخدمة الإنسان في حاجياته الضرورية والكمالية ، ولذلك نجد العبادات لله سبحانه وتعالى تسقط من اجل خدمة الإنسان ليولد تام الخلقة كسقوط الصوم عن الحامل حفاظا على حياة محتملة ،فما بالك بحياة محققة ؟،كما اسقط الصيام عن المرضعة حفاظا على الرضيع ، فمن هنا نقول أنه مادام الإسلام يسير في هذا المنحى ويحققه فكيف نعتبر العبودية تشريعا إلاهيا محكما؟
فالإسلام كما اسلفنا وجد امامه العبودية فقدم الحلول للتخلص منها ولذلك قال تعالى {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا} ، ومن هنا نتسائل أليس التكريم والعبودية تناقضا؟ويقول المفسرين أن هذه الآية شمولية في تكريم الإنسان ولو كان كافرا ، لأن الآدمية أعم من كلمة مسلم ، كما يقولون أنه لو لم ينزل في تكريم الإنسان سواها لكفت، وقد يقول البعض أن الإسلام تدرج في حل مشكل العبودية ولكن قد يكون إن صح ما قالوا هذا التدرج يعود إلى التدرج في نزول القرءان وأحكامه التكليفية وبمعنى آخر أنه لم ينزل دفعة واحدة بل نزل حسب الأسباب والوقائع فبدأ الإسلام يتدرج في أحكامه بغض النظر عن العبودية، فالصلاة فرضت ليلة الإسراء قبل الهجرة ب ثمانية عشر شهرا ثم فرضت ليلة اركان الإسلام إثر ذلك.
لقد جفف الإسلام جميع منابع العبودية وإن كان بعض الفقهاء يستثني من ذلك باب الجهاد ،وقد تلاعبت أقلامهم ـ أعني الفقهاء ـ على مر العصور بهذه المسألة ووجهوا السير والنصوص من أجل ذلك وتم توظيف العبودية سياسيا ، فكان الأمراء لابد لهم من الجواري والخدم في قصورهم وخدمتهم في المزارع والحقول ، فكان من الضرورة بالنسبة لهم إبقاء العبودية لعدة عوامل ، وكانت المتاجرة بالإنسان المستعبد مصدرا إقتصاديا أساسيا .
وفي موضوع الجهاد يرى بعض الفقهاء أن الأمير أو الحاكم في طريقة تعامله مع الأسرى أنه بين أحد خيارات ثلاث وهي المن أو الفداء أو ممارسة الإستعباد ،ففتحوا بالأخير فوضوية .
أما من جهة النظر فاستعباد الأسرى أو ما يسمى بالسبايا " وهم النساء والأطفال"هو من تحريف الإنسان للدين على مر التاريخ،، يقول تعالى {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}
فهنا يتجلى أن الأسير لا يستعبد كما تشير إلى ذلك الآية في سورة الأنفال ، يقول تعالى {يأيها النبيء قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتيكم خيرا مما أخذ منكم} فما يؤخذ من الأسير إذا هو الفداء أو المن عليه ،وخيار القتل يرى بعض الفقهاء إن كان في قتله ما يكسر شوكة أهل الكفر مع رفضه للإسلام، أما من أدعى استعباد الأسير فأدعائه باطل من عدة أوجه
ـ القرءان أفتى وبطريقة جلية في قضية الأسير
ـ إن الجهاد شرع من أجل نشر الدين وتحرير عقل الإنسان من الخرافات كفساد العقيدة وعبادة غير الله ، فكيف نحرره عقلا وعقيدة ونستعبده جسديا ونعتبره نوعا من السعادة؟
ـ لا نص من كتاب الله يبيح الإستعباد 
أما بما يخص ممارسة الإستعباد على النساء والأطفال فهو باطل أيضا لأن الرق أولى به الذي حمل السلاح ضد المسلمين فمادام لا يستعبد فكيف بإستعباد المستضعفين الأبرياء ؟ قد يقول البعض إن استعباد نساء وأطفال الأسر عقوبة للأسرى ،فهذا باطل ،فكيف تحمل نفس ذمب غيرها؟ يقول تعالى {ولاتزر وازرة وزر أخرى} ولما كان هذا على هذا الوجه فلا بد أن الإسلام بين أمرين .
إما أن يكون دين طبقية وعبودية، وإما أن يكون دين حرية وتكريم.
لو قلنا أنه دين حرية قد يقول البعض فماذا عن الكتب المملوءة بالأحكام التي تميز بين الحر والعبد و تعتبر العبودية تشريعا إلاهيا محكما ومقدسا؟ وإن قلنا أنه دين عبودية فكيف لدين يأمر بالعدل والإحسان وتكريم البشر أن يشرع هذه الظاهرة التي تقلها الأنفس ولا تستقر في العقل؟وكيف يصطدم دين إلاهي مع الفطرة؟ فمن هما نقول أن هنالك فرق بين نصوص كتاب الله وماصح من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفهم الإنسان لتلك النصوص،فالعبودية شرعها الفقه وليس نصوص الوحي ، فالفقه فهم واستنباط الإنسان ،فلو كان ممكنا اختزال الدين في فهم معين لكان كل شيء حسم ولما تعددت مدارس الفقه وكتب التفسير ،فالمسلمون مطالبون في كل عصر ومصر بعرض الفقه على الأدلة وتصحيحه، فالفقه عاصر الأمراء ،فهو وليد عصره ويتأثر بواقعه والأرضية التي تنطلق منها ثقافة الفقيه، ومن هنا نعود إلى بعض الأحكام المتعلقة بالإستعباد .
مثلا: الفرق بين عدة الأمة وعدة الحرة يقول تعالى {} وهنا نجد الآية تعمم سواء تعلق الأمر بالوفاة أو الأقراء بين ما يقول خليل (وتنصفت بالرق) ، فهنا حق لنا ان نتساءل هل الأنثوية أكثر في الحرة دون الأمة ؟ أليست طبيعة الأرحام واحدة؟ وأيهما يمكث أكثر في بطن أمه ولد الحرة أو ولد الأمة؟ فلا دليل إذا يفرق.
مثال آخر:في العبد المتزوج بالأمة فإذا بيعت الأمة من طرف سيدها فإن بيعها هو طلاقها فيمكن للسيد الجديد فسخ ذلك الزواج ، كما أن السيد أيضا يمكنه فسخ زواج العبد إذا تزوج دون إذنه.
مثال آخر: يرى خليل أن العبد لا يلزمه الحج بينما يقول جل من قائل {ولله على الناس حج البيت} ولا شك أن الناس هنا أشمل من المؤمنين فما بالك بالأحرار؟
مثال آخر: يقول خليل في باب صلاة الجمعة ولزمت المكلف الحر بينما يقول تعالى{ يأيها الذين ءامنوا إذا ندي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } إذا أليس هؤلاء العبيد من الذين آمنوا ؟ لكن مسفري فقه خليل قالوا أن العبد تسقط عنه الجمعة لأنه مشغول في خدمة سيده.
مثال آخر :حرم الفقهاء العبد من التركة بينما يقول تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فهل للحر ولد وليس للعبد ولد؟ 
وفي الزوجية قال تعالى{ولكم نصف ماترك أزواجكم } وقال أياضا {ولهن الربع مما تركتم} 
فمادامت الزوجية إذا سبب في الإرث فهل زواج العبد مجرد خيال؟ ولهذا حرم الله أكل مال اليتيم حيث قال{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فكيف تفسر الآية في حرمة مال اليتيم الحر وإباحة مال اليتيم العبد 
إن الضرر الذي ألحقته بنا هذه النصوص الفقهية ــ والتي أنتجت في أرض غير أرضنا وزمان غير زماننا ولم يعد يستهلكها غيرنا بإضفاء طابع قدسي عليها حيث اكتوى ولازال يكتوي بنارها أجدادنا وبني جلدتنا ولا زالت ويلاتها تطاردنا ــ جعلنا نطالب بمراجعة شاملة لها غير أن العقلية الإستعلائية الفارغة جعلت القائمين على المؤسسة الدينية في بلادنا يصغون لهذه الدعوات بأذن الهزل، مما جعلنا نعبر عن رفضنا لها وقد تجسد ذلك التعبير في محرقة الرياض الشهيرة والتي قامت الدنيا بسببها ولم تقعد ، ورغم مضي أزيد من ثلاث سنوات على تلك المحرقة فلم نجد حتى الآن فتوى واحدة تستمد مرجعيتها من الكتاب أو السنة بل وحتى من الكتب المتباكى عليها تحرمها،كما لم نجد حتى الآن ـ رغم استعدادنا ـ من بين رافضي هذه المحرقة من يستعد لمناورة حول موضوعها، ولا ندري ما إذا كان مرد عدم الإستعداد هذا من قبل رافضي المحرقة هو رفض الجلوس مع أبناء العبيد على الطاولة والمناورة في موضوع ظل ردحا من الزمان حكرا على مكونة عرقية بعينها ، أو أن العجز عن الإتيان بالبرهان هو السر في ذلك. 
دور العبيد ونظرة المجتمع لهم
فبما أن العبودية عندنا أخذت طابعا عرقيا فلا بد عند الحديث عنها من التطرق للتركبة العرقية للمجتمع الموريتاني والتي تتشكل من لحراطين والبيظان والزنوج ومع أن بعض شرائح الزنوج عاشت عبودية داخلية فإن عرقية لحراطين التي تمثل غالبية هذا الشعب أخذت نصيب الأسد من هذه الظاهرة على أيدي عرقية البيظان وقد لعبت المؤسسة الإجتماعية دورا بارزا في ترسيخ ثقافة الإستعباد متخذة من الخرافة والأساطير التين ينتشر الأيمان بهما مستندا وقد تجسدت مظاهر ممارسة العبودية في مجالات شتى ، فالعبيد هم من تسند لهم مهمة زراعة الأرض ورعي وتنمية الحيوان و الخدمة المنزلية بجميع أشكالها كما أنهم يحرمون من أبسط حقوقهم بما في ذلك حق الراحة كما يمارس عليهم الضرب إذا احدهم تأخر عن تنفيذ أوامر الأسياد ، كما ينسب لهم كل ما كان المجتمع يترفع عنه باعتباره يتناسب مع مستواهم الاجتماعي كما تنسج أساطير للبرهان على ذلك فمثلا نجدهم يقولون (اجماعه فيه لعبيد ما ينفظح فيه البيظان) ،كما أن الطلامس التي يمارسها المتخصصين من البيظان ويسمونها رقى تسمى سحرا إذا مارسها لحراطين، كما أن العبيد أيضا يتميزون بأسماء خاصة بهم مثل أمبارك ومسعود وبلال واسليلم ومربه و غرمانية وإسلم عربيه واعبيد ولخويدم إلى غير ذلك ،بينما نجدهم يدفنون في مقابر خاصة بهم في بعض المناطق .
الدولة وملف العبودية 
رغم مضي 54 سنة على ميلاد موريتانيا لا تزال ظاهرة العبودية موجودة وإن كانت قد أصبحت أقل مما كانت عليه ، ويعود السبب في ذلك إلى ضعف الإرادة لدى أصحاب القرار في هذه الدولة.
لقد برر الرئيس الراحل المختار ولد داداه عدم إمكانية حل مشكل العبودية بعدم قدرته على مواجهة الزعامات الدينية والقبلية المحيطة به ،والتي ترى في القضاء على العبودية تهديدا لمصالحها،كما أن العبيد ساعتها لم يكون على مستوى الوعي الكافي لدعمه حسب قوله، غير التعميمين الذين أصدرهما وزيرا العدل محمد الأمين ولد حمن و المعلوم ولد ابراهيم وطريقة التوزيع السري لهما يؤكدان أن نظام المختار حينها لم يملك الشجاعة أو القناعة أو هما معا لإعلان موقف إيجابي لصالح العبيد وأن حكومته تعاملت مع ملف العبودية بذات الطريقة التي كان ينتهجها المستعمر. حيث كانت تنظر إلى العبيد باعتبارهم يدا عاملة لا كمواطنين ، إذ تشير في أحد خطاباتها إلى بقاء الاقتصاد التقليدي من مزارع هذه الشريحة لتستفيد طبقات الأسياد المتأسسة على العبودية خوفا من تزايد البطالة.
غادر المختار ولد داداه الحكم بعد 18 سنة إثر انقلاب عسكري دون تحقيق اندماج مجتمعي يلغي نظام الطبقية وممارسة الإستعباد، ومع ذلك يقول المختار في مذكراته إن قضية لحراطين ستؤدي حتما إلى تغيير واسع أو إلى نزاع مسلح.
لقد كان النظام العسكري الذي أطاح بالمختار يرى في الأخير عدوا للقيم التقليدية حسب تعبير المصطفى ولد محمد السالك وعلى صعيد الإجراءات القانونية واصل هذا النظام خلال سنوات حكمه الثلاث التعميمات السرية التي تطالب بتجنب قضايا العبودية أمام المحاكم نظرا لإضرارها بسمعة البلد حسب اعتقاده ، غير أن الدوافع الاقتصادية ومخاوف النظام من حصار دولي أو خذلان ،شكلت عنصرا أساسيا لصياغة سياسة الحكومة اتجاه ملف العبودية .
الحكومة العسكرية في عهد العقيد محمد خونا ولد هيداله رفعت من مستوى تعاملها مع العبودية وذلك من خلال قانون مكافحة العبودية الصادر 5 يوليو 1980 وقد قوبل هذا القانون برفض واسع من قبل طبقات التأثير التقليدية ، كما خرج غير قابل للتمثيل نظرا لأنه سيفضي إلى أكبر عملية نخاسة في البلد إذ لم نقول إفريقيا ،وذلك من خلال التعويض للأسياد عن العبيد.
نظام العقيد معاوية وسيد احمد ولد الطايع في طبعتيه العسكرية والمدنية اتسم بشيء من الاضطراب اتجاه قضية العبودية فهو من جهة يحاول إسكات أطر لحراطين والحقوقيين المناهضين للاستعباد من خلال منهم حقائب وزارية دائمة تتراوح بين واحد واثنين وثلاثة على الأكثر ومن جهة هو حريص على نكران هذه الظاهرة. 
نظام الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله الذي لم يعمر سوى 15 شهرا كان أكثر جرأة نظريا من سابقيه وذلك من خلال سن القانون 048 /2007 وهو أول قانون يجرم العبودية ،
نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز هو الآخر اتسم بالكثير من التناقض حيال هذه الظاهرة فهو ينكر وجودها بشكل قاطع في حين أنه يشدد في الطرق النظرية لمحاربتها ولعل ذلك يتجسد في تجريمها في الدستور واعتبارها جريمة لا تسقط بالتقادم ، وقد أنشاء محكمة خاصة بها وأنشأ وكالة التضامن المكلفة بمحو آثارها وصادق على خارطة طريق من 29 بندا لمحاربتها هذا نظريا أما فعليا فلم يشهد تاريخ الدولة أي معاقبة لشخص مارس الاستعباد بل توفر له كل وسائل الإفلات من العقاب بينما يزج بمناهضيه داخل السجون كما تم مع عشرات الحقوقيين ولعل آخرهم رئيس حركة إيرا بيرام ولد الداه ولد اعبيد ونائبه ابراهيم وبلال ولد اعبيد ورئيس حركة كاوتل جيبي صو الذين يقبعون الآن في سجن ألاك بسبب تنظيمهم لقافلة مناهضة للعبودية العقارية في الضفة .
إن هذا التناقض الصارخ بين النظري والتطبيقي جعل نخبة هذه الشريحة تجزم بأن أهدا هذه القوانيين لا تتعدى الإستهلاك الخارجي الغربي بغية الحصول على تمويلات وتفادي حصار دولي.
دور الأنظمة في تهميش ضحايا الإستعباد
تعتبر منهجية تجهيل لحراطين قاسما مشتركا بين كل الأنظمة المتعاقبة ، وذلك بغية إبقائهم تحت السيطرة والتحكم ، ويتم تجسيد تلك الإستراتجية من خلال إقصاء المناطق ذات الكثافة السكانية الحرطنية من التعليم ، خاصة آدوابه والكزرات والكبات التي يكون التعليم فيها غائبا أحيانا وصوريا أحيانا أخرى ، وقد انعكست نتائج ذلك على الواقع المعرفي والاقتصادي لهذه الشريحة ، مما جعلها تعيش على هامش الحياة.
وتتمثل الأعمال التي يمارسها لحراطين في الزراعة والرعي والعمالة المنزلية والسلاخة وغسيل الملابس والعمل في المخابز وبناء المنازل وحراستها وحمل الأمتعة والصيد التقليدي في البحر وبيع الكسكس... إلخ
بينما تحتكر الوظائف الحكومية من طرف البيظان وخاصة منها تلك التي تكون ذات أهمية .
النضال ضد العبودية ومخلفاتها
لم يكن النضال ضد العبودية وليد اللحظة،بل وجد يوم وجدت العبودية ، حيث كان العبيد يرفضون الصلاة للتعبير عن عصيان أسيادهم ،اعتقادا منهم أن أجر تلك الصلاة يذهب لصالح الأسياد، كما كان بعضهم يرفض الزواج من الجواري تفاديا لإنجاب أبناء عبيد ،هذا إضافة إلى ظاهرة "اجمبير" وهي هجرة العبيد عن أسيادهم وإقامة أماكن خاصة بهم ،وتشهد على هذه الظاهرة ،بعض أحياء المدن القديمة ،كجامبور في كيفه ،و ليبرتى في امبود، و ليبرتى في ألاك ، ومن الظواهر الشاهدة على رفض العبودية كذلك نجد، ظاهرة "اتهنكري" الشائعة عند سكان تجكجة وتطلق على الثوريين من لحراطين ، وقد سميت هذه الظاهرة بهذا الإسم نسبة توماس هانكر الذي وصل إلى تجكجه عام 1920 قادما من البنين وأقام هناك ، ولما رأى وضعية العبيد حاول المساهمة في تحريرهم وقد نجح بعض الشيء قبل أن تقدم ضده شكاية من طرف الزعامات القبلية وقد أبعد إثرها إلى مدينة تامشكط.
ـ أما النضال المنظم ضد العبودية فقد ظهر مع حركة الكادحيين اليسارية والتي كانت تضم من بين مناضلها نشطاء من لحراطين غير أن اعتبار قضية العبودية مسألة ثانوية لدى هذه الحركة كان قد سبب تذمرا في صفوف لحراطين داخلها ، مما جعلهم يؤسسون حركة سموها حركة انعتاق وتحرير لحراطين المعروفة اقتصارا بالحر.
ـ فبما أن كل ذا قضية لابد أن يكون له الدور الجوهري فيها، فقد تأسست حركة الحر 5 مارس 1978 على يد 12 عضوا ينتمون جميعهم إلى شريحة لحراطين وترأسها مسعود ولد بلخير بداية قبل أن يترأسها أبوبكر ولد مسعود لاحقا ،ورغم أن مطالب هذه الحركة لم تتعدى المطالبة بمعاملة العبيد بما يليق بالكرامة الإنسانية ، فقد تمت شيطنتها من قبل المجتمع التقليدي واتهمت بتنفيذ أجندة خارجية ،و سجن جل منتسبيها في مدينة روصو في العام 1980 ،وكيفت لهم تهمة الردة لرفضهم الواقع الإستعبادي قبل أن تتدخل فرنسا لصاحهم،.
نشير إلى أنه رغم أن الكل بات يجمع على وطنية نشطاء هذه الحركة ،ورغم تعاقب الأنظمة واختلافها فإن موقفها من هذه الحركة هو هو ، حيث لم تحصل على ترخيص إلى يومنا.
ـ نجدة العبيد تأسست سنة 1995 ويرجع لها الفضل في تحرير الكثير من العبيد ولعل آخر حالة استعباد تكشف عنها هي تلك التي أكتشفت في بير ام اكرين قبل ثلاث أسابيع.
نشير أيضا إلى أن نجدة العبيد لم تحصل على ترخيص إلا في العام 2005.
ـ مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية (إيرا)التي تأسست في العام 2009 دخلت هي الأخرى على الخط النضالي ، لكن بأسلوبها المثير،و المتمثل في الخطابات النارية التي يطلقها رئيس الحركة بيرام ولد الداه ولد اعبيد على الأحياء ولأموات على حد السواء ،كما انتهجت هذه الحركة أسلوب الوقفات الإحتجاجية والمسيرات والإضراب عن الطعام لأرغام السلطات على تطبيق القوانيين المجرمة للعبودية، الشيء الذي جعل ذكر إسم الحركة يثير الرعب في نفوس ملاك العبيد ، ويعود الفضل لهذه الحركة بأنها أول من أدخل ملاك العبيد في السجون، أما الخطوة الصادمة التي قامت بها هذه الحركة في سبيل تحطيم التابوهات فتتمثل في محرقة الرياض الشهيرة والتي أحرقت فيها الحركة ما سمتها الكتب الصفراء أو كتب فقه النخاسة ،
نشير أيضا أن حركة إيرا لم تحصل على ترخيص حتى الآن.
ـ في السنوات الأخيرة شهدت الساحة النضالية ميلاد الكثير من الحركات الناهضة للإستعباد ، يضاف إلى ذلك أن جل الرسائل الجامعية لأبناء هذه الشريحة تتخذ من العبودية موضوعا لها.
ـ وفي إطار الحراك المتنامي ضد العبودية وواقع لحراطين دائما شهدت الساحة النضالية قبل ثلاث سنوات ميلاد ميثاق لحراطين الذي خرج في ذكرى تأسيسه الثانية يوم 29 إبريل الماضي في مسيرة ضمت عشرات الآلاف من أبناء هذه الشريحة.
الخاتمة 
لا دين إذا ولا قانون يشرع الاستعباد ،لكن سخافة سلوك الإنسان هي التي نزلت به إلى مستوى إباحة استعباد بشر منحه الله ذات الكرامة التي منحه، منتهجا لتحقيق ذلك الهدف الدنيء لي أعناق النصوص الشرعية ، ضاربا عرض الحائط بمقولة عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" بل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )وطبعا لا أحد منا يحب لنفسه أن يعيش لحظة واحدة عبد لغير الله، لاسيما كل عمره.
ومهما يكن فإن أبناء العبيد اليوم باتوا يرفضون واقعهم المعاش، وأهم ما يترجم ذلك الرفض هو ذلك الحراك المتنامي في صفوف شريحة لحراطين ،ولعل هذا يترجم أيضا مقولة المختار ولد داداه " إن قضية لحراطين ستقود حتما إلى تغيير واسع ،أو إلى نزاع مسلح". 
حفظ الله موريتانيا