لقد عاشت شريحة لحراطين جميع أنواع الظلم علي المستوي الوطني سواء في زمن السيبة أو في ظل قيام الدولة الموريتانية علي مسمع ومرأي من العلماء والفقهاء بل بمساهمتهم ورعايتهم بتطبيقهم لرؤية فقهية لا علاقة لها بواقع موريتانيا من حيث الزمان والمكان وليست لها مصداقية ولا علاقة لها بالإسلام لأن الإسلام جاء من أجل الحرية والعدالة بين جميع المسلمين والفضل يكون في التقوي.
إن قضية العبودية في موريتانيا مستعصية وشائكة لوجود أطراف مأثرة ترعاها وتقف صامتة للدفاع عن بقائها بمآزرة من السلطة الرسمية وهدا يظهر من خلال عدم قيام الدولة بإجراءات قد تقضي علي هده الممارسة والتي تعتبر طبقا للقانون الدولي جريمة ضد الإنسانية؛ إلا أننا لم نري أية إجراءات مصاحبة من شأنها حسم إنهاء العبودية في موريتانيا وعدم تطبيق القانون علي ممارسي العبودية لعدم استقلالية القضاء وانحيازه لأنه طرف من أطراف ممارسي العبودية والطرف لا يمكن أن يكون عادلا لما يصيبه من ضرر بسبب العدالة الإنسانية والتي استحال وجودها في موريتانيا لأنها أسست علي الطبقية التراتبية المقيتة التي تحصد نتائجها في هده الأيام وتهدد تماسك المجتمع وتسير به إلي المجهول.
إن الأوان لإنهاء واقع استقلال الإنسان المتمثل في العبودية بمختلف أشكالها ونضع حدا لتحريف ديننا الحنيف ولا نسخر تعاليمه البيضاء شططا تناقض ما جاء به رسولنا الكريم.
كم تألمت عندما أصدرت رابطة العلماء في موريتانيا فتوي مفادها أن العبودية لم تعد مشروعة استنادا إلي فتوي 1981 وأنا أتسال ماذا قدمت هده الأخيرة في قضية العبودية في موريتانيا سواء إضفاء الشرعية علي المستوي الوطني وعمقت الفجوة الواسعة أصلا بين مكونات المجتمع.
من البديهي أن العبودية في موريتانيا ألبست لبوسا دينيا إلا أن هذه الأكذوبة ظهر زيفها من خلال مناقضة فتوي كل من الشيخ أحمد جدو ولد أحمد باهي وولد الددو لفتوي رابطة علماء موريتانيا عندما أصدروا فتاوي تفيد بعدم شرعيتها أصلا في البلد دون معرفة؛ هل هي من منبع قائم أو فرض واقع اللهم إن كانت من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل فأجعلها في ميزان حسناتهم وإلا أجعلها أخر فتاويهم.
إن العلاقة الوظيفية بين أنظمة الحكم والمؤسسة الدينية في موريتانيا ليست قابلة الانفصام حتي الآن لما يجمعهما من مصالح بنيوية متعالية علي المستعبدين وتعتبرهم طاقة إنتاجية تساعد علي الهيمنة المستمرة وإضفاء الشرعية باسم الدين الذي هو بريء من كل مظاهر العبودية في موريتانيا ولا علاقة لها إلا بحب السيطرة الهمجية .
لقد بلغ السيل الزبي في محاولة إخفاء حقيقة موجودة يراد لها أن تبقي كذلك وهدا ما لم ولن يرضي به المتضررين بسبب العقلية التسلطية المفرطة في حق المستعبدين واستحالة التخلي عنها من قبل ممارسيها مع قناعتهم بمدي خطورتها علي التعايش وانسجام بين إخوة الدين ونظراء الخلق وأبناء الوطن الواحد الدي هو مربط الفرس في كل القضايا الجدلية بكل تجلياتها.
من القريب أن البعض يبرء مجموعة البيظان من الاستعباد ويري أنها ظاهرة كونية عاشتها كل المجموعات البشرية وموريتانيا جزء من الظاهرة دون الانتباه إلي قدرة تلك المجموعات في إنهائها بصفة نهائية ولم تصل يوما في حدها الأقصى إلي حدها الأدنى الذي وصلت إليه موريتانيا والتي تم التستر ولا يزال بسبب عدم تدوين ما وصلت إليه هده الظاهرة كممارسة وحشية وإهانة جسدية ومعنوية وكذلك التبعية المطلقة لكل المتضررين وكأننا نعيش في الجاهلية.
إن استهداف لحراطين مند وجودهم علي أرض موريتانيا وحتي الآن من طرف المؤسسة الدينية لإصدار فتاوي متناقضة يطرح الكثير من التساؤل.
ما هو الغرض من إصدار فتاوي ضد العبودية ولمصلحة من؟
لماذا لم تؤدي الغرض المطلوب منها حتي الأن؟
ولماذا هذه الظاهرة عصية على الحل؛ ربما أملك القلم واللسان في الجواب لكن اتركه لمن يرون أنهم أكثر فهما.
إن الدولة وللأسف لا تزال متأخرة في العدالة الاجتماعية حيث القوي الإقطاعية النافدة لا تترك للضعيف مكانا.
الخطر ليس في غياب الشرعية والقانون بل الأسوأ استخدامهما كستار للتغطية علي بعض الممارسات الخاطئة فتصير الشرعية ذات مكيالين والقانون يجري بسرعة عالية.
هل تدركون خطر العبودية علي وجود وتماسك موريتانيا كدولة وطنية وأن التعامل معها بالطرق الحالية لن يكون حلا جذريا لهده الظاهرة بقدر ما هو تكريس لها ويزيد من شعور المتضررين لهيمنة الأخرين مما يقوي إحساسهم بالذل والمهانة ربما يقود إلي أساليب أخري غير المطالبة بالحقوق بطريقة سلمية.
قد يسهل سجن الحقوقيين وحظر منظماتهم وتدجين أخري لكن الزمن وتزايد الوعي في أبناء المستعبدين كفيلين بوضع حد لظاهرة قد تخرج عن السيطرة .
إن الحراطين جزء أصيل من تركيبة الشعب الموريتاني وليست لها أية ولاءات خارجية وعلي هذا الأساس فإن الأولوية للحراطين بناء مجتمع موريتاني منسجم ومتآلف رغم ما عاونوه من انتهاك لحقوقهم علي المستوي الوطني .
من أجل تلافي الوضعية وحل مشكلة العبودية بصفة نهائية لابد من مراجعة المنظومة الاجتماعية بصفة شاملة وإعادة الاعتبار لشريحة لحراطين من خلال إصدار فتوي جامعة مانعة وتقديم اعتذار باسم ممارسي هذه الظاهرة وباسم الدولة الرسمية لأنها ساهمت هي الأخرى في الإبقاء عليها حتي الأن.