إذا كان الإعلام كما عرَّفه خبراؤه أنه التَّباين الذي يصنع الَّتباين، فقد صدق هذا التَّعريف على ما يدور فى ساحتنا العربية ونحن نتابع مستوى التَّغطية الإعلامية الغربية والعربية وإن بقليل من الحرفية وكثير من التحريض ، خصوصا على مستوى الفضائيات العربية التى وظَّفت تأثير الصَّورة بعيدا عن الضَّوابط المهنية لما يجري من أحداث في بلداننا مشرقا ومغربا، ففي الوقت الذي كنَّا ننتظر فيه أن نعيش نقلة إعلامية إيجابية تساهم فى إثراء منظومتنا الساسية والاقتصادية والإجتماعية بفعل الإنفجارالتَّكنلوجي الهائل وما يتيحه من تطور في التفكير ونشر لثقافة الحوار الديمقراطي.
والإعلام عنصرأساسي في عملية التغيير ومعطى استراتيجي ضروري يمهَّد لكل أشكال الهيمنة ، لكننا وللأسف لم نسلك هذا الطريق لعديد الأسباب ولعل أهمها أنَّنا لم نكن مهيئين لمسايرة ثورة الإعلام والاتصال وما استحدثته التقانة المعاصرة من وسائط حديثة تسّهل بلوغ الأهداف، وربَّما يكون من الأسباب كذلك سيطرة و طغيان إعلام تقليدي شكَّل بوقا دعائية للأنظمة وأداة طيعة يلعب بها أكثر من لاعب ولغايات ذاتية وآنية في كثير من الأحيان. ويعود عجز هذا النمط من الإعلام إلى أسلوبه الذّى تعوَّده ولعقود طويلة مما جعله بعيدا عن صوت الأغلبية وأسيرا فى شباك النخب المتغلّبة على دوائر الدولة والمتحكّمة فى صنّاع القرار،مما ما أفقده القدرة على استشراف التّحولات التي تحدث هنا وهناك. قبل أن ندرك لاحقا حقيقة قدرة التقانة المعاصرة وما تركته من تأثَّر وتأثيرمتبادل تجاوز مفهوم المكان والزمان و جعل العالم قرية صغيرة أكثر من ذى قبل،وفتح المجال أمام مزيد من التَّحديات والتَّهديدات التي لم تكن متوقَّعة من أبرزها عدوى العنف الذى يراد لنا أن تنساق وراءه ليكون مظهرا طبيعا من مظاهر الرفض فى منطقتنا العربية، بعد أن كانت أشكال التعبير عن الرفض لا تتجاوز بعض مظاهر الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التى تظهر هنا وهناك ودوافعها مبررة فى كثير من الأوقات.
لقد ساهم ظهور وسائط الاتصال الحديثة في التنظيم والتعبيئة ونشر المعلومات وتسريع وتيرة الدفع بالتحولات الإجتماعية الراهنة بعد أن فقدت النخب العربية مؤهلات التأثير الفكري وأصبحت تعيش قطيعة كبرى مع مختلف التشكيلات الجماهيرية، مما قضى على مفهوم الريادة والقيادة وفقدان القدرة على توجيه وتأطير مسيرات الاحتجاج الشعبية وسلمية مطالبها ، وهوما انعكس بشكل جلي على مسار الأحداث وخلق أجواء من التوتّرما زالت مستمرّة فى دولنا العربية ، حيث حوّلت بعضها من دول كانت قائمة وفاعلة فى المشهد العربى والإقليمى إلى دول فاشلة .
والعنف كما هو معروف قد يتحول إلى حرب وقودها السلاح بشتى أنواعه وقد عايشنا وللأسف نماذج حيَّة منه على مستوي دول الربيع بعد انحراف مسار الثورات العربية التى فجَّرها الشباب وقوى الطبقة الوسطى،والحرب فكرة في أذهان البشر تحسمها القوة المعنوية والملكة الفكرية ، وفيما نرى ونشاهد فقدانتقل مفهومها من حرب مابين دولة وأخرى إلى حروب داخلية تقودها شلل ومجاميع تحتكم وبشكل كبير إلى لغة السّلاح من أجل الغلبة والسيطرة على مفاصل السلطة ، وللدور الخارجي فيها حضور كبيرولافت ممّا يبقيها مستمرة ويزيد من إشعالها فتتمدَّد ألسنتها نحو كل الجهات المحيطة بها،ولم تعد هناك دولة عربية أو إسلامية بمأمن من هذ العدوى إن عاجلا او آجلا بفعل حجج ومبررات عنوانها البارز في المرحلة الرّاهنة هو حديث الشرعية وغير الشرعية، والدّول ذات الهويّات المتعدّدة من طائفية أو مذهبية أو إثنية هي الأكثر أهلية للإمتطاء وزرع بذور العنف والنّماذج والصوَّر الحيّة كثيرة أمامنا ، فإذا لم نبادر بخطوات استباقية تقوم على إبرام عقد اجتماعي تساهم في وضعه كل المكوّنات والقوى الحيَّة لأجل ضمان الاستقرار والتحولات التى لامناص منها ،وللوقوف أمام مؤهلات الإنفجارالتى لم تعد تهدّد الأنظمة فحسب بل أصبحت تتجاوزها إلى الدولة التى قد تحولها فى مرحلة من المراحل إلى دولة فاشلة.
بقلم:الاستاذ محمد سالم ولد الداه