قادة الرأي في موريتانيا بين مطرقة التعيين والامتيازات وسندان الواقع(رأي حر)

أحد, 2025-03-09 00:50

تعدّ النخب الفكرية والثقافية في أي مجتمع مرآةً تعكس تناقضاته وصراعاته، وكذلك طموحاته وآماله. وفي موريتانيا، يلعب قادة الرأي دورًا مركزيًا في تشكيل الوعي العام، إلا أن هذا الدور غالبًا ما يكون محكومًا بثنائية قاتلة: مطرقة التعيين والامتيازات، وسندان الواقع المليء بالغبن، والتهميش، والانقسامات الطائفية والعنصرية، فضلًا عن استغلال القضايا العادلة لخدمة المصالح الشخصية أو الفئوية.

أولًا: قادة الرأي بين الاستقلالية والاحتواء الرسمي

يتعرض قادة الرأي في موريتانيا لضغط هائل من السلطة، التي تدرك جيدًا أهمية احتواء الأصوات المؤثرة عبر التعيينات في المناصب العليا أو منح الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية. هذه السياسة ليست جديدة، بل تمثل نهجًا متجذرًا يهدف إلى تفريغ الخطاب النقدي من مضمونه وتحويله إلى أداة تبريرية تخدم النظام القائم.

لكن في المقابل، هناك نخب تحاول الحفاظ على استقلاليتها الفكرية، رغم الضغوط والإغراءات. إلا أن هذه الفئة تجد نفسها معزولة في فضاء عام تتحكم فيه المصالح الضيقة، مما يُضعف تأثيرها الفعلي على مجريات الأمور.

ثانيًا: الطائفية والعنصرية كأدوات للتحكم في الرأي العام

الطائفية والعنصرية ليستا مجرد ظواهر اجتماعية سلبية، بل تُستخدمان بشكل واعٍ لتوجيه النقاشات العامة وتصفية الحسابات السياسية. فبدلًا من أن ينشغل قادة الرأي بالقضايا الوطنية الكبرى، يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان أسرى انتماءاتهم القبلية أو العرقية، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس الهياكل الإقصائية التي يُفترض بهم انتقادها.

يُلاحظ أن بعض النخب تتبنى خطابًا معارضًا للغبن والتهميش، لكنها في الوقت ذاته تمارس أشكالًا من الإقصاء داخل دوائرها الخاصة، مما يجعلها تفقد المصداقية أمام الرأي العام.

ثالثًا: ركوب الموج والمتاجرة بالقضايا العادلة

في ظل انسداد الأفق السياسي والاقتصادي أمام فئات واسعة من الشعب، أصبحت قضايا مثل محاربة العبودية، والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، مجالًا للاستثمار السياسي والإعلامي. البعض يتخذها كمدخل للوصول إلى المناصب، فيما يستخدمها آخرون كأوراق ضغط لابتزاز السلطة أو المعارضة على حد سواء.

هذا الوضع يُفقد القضايا العادلة زخمها الحقيقي، حيث تتحول إلى مجرد شعارات تُرفع عند الحاجة ثم تُنسى بمجرد تحقيق المصالح الخاصة.

رابعًا: الحلول الممكنة لاستعادة دور قادة الرأي الحقيقيين

لإحداث تغيير حقيقي في المشهد، لا بد من:

1. تعزيز الاستقلالية الفكرية: عبر خلق فضاءات إعلامية وثقافية لا تخضع لسلطة المال أو السياسة.

2. تفكيك الخطابات الطائفية والعنصرية: عبر الترويج لهوية وطنية جامعة تتجاوز الولاءات الضيقة.

3. محاسبة المتاجرين بالقضايا العادلة: من خلال فرز حقيقي بين مناضلين صادقين ومن يستخدمون النضال كوسيلة للترقي الاجتماعي.

4. إعادة تعريف دور المثقف: بحيث لا يكون تابعًا للسلطة أو المعارضة، بل قوة نقدية مستقلة.

بين مطرقة التعيين والامتيازات وسندان الواقع المُعقد، يقف قادة الرأي في موريتانيا أمام اختبار صعب: إما الانخراط في لعبة المصالح، أو النضال من أجل قضايا حقيقية، ولو كان الثمن هو التهميش. والمستقبل وحده كفيل بكشف من يختار الطريق الأصعب.
بقلم محمد ول سيد المختار الملقب الديماني