تمر حركة الحر بمنعطف تاريخي غير مسبوق في تاريخ الحراطين وهي في أربعينيتها الأولى أبرز تجلياته تعايش أجيال الحراطين بجميع مراحلهم ، جيل التأسيس والجيل الثاني والجيل الثالث وما بعدهما مما يمكنها من التمركز كثقل لا يمكن بأي حال تجاوزه ، فأربعون سنة على حركة الحر بوجود جميع أجيالها حدث استثنائي قد لا يتأتى للكثير من الحركات الاجتماعية وبالإمكان استثماره خصوصا وأن للأربعين دلالاتها ، ففيها يتغير جيل ، ويفنى جيل آخر وتنشأ أجيال أخرى ، أربعون عاما على حركة الحر هي رسالة على نهاية جيل العبودية والقهر ، ونشأة جيل لم يذق طعم العبودية ولا سام مذلاتها ، لقد عكست العقود الأربعة التي خلت حالة انقسام عرفها جيل تأسيس الحر في ظل نقل الحركة من الحيز التنظيري إلى التطبيقي حيث أفرزت أكثر من رأي ، بين من رأى الانخراط مع النظام وبين من رأى مجابهته ، مما جعل الحركة عبر تاريخها بل وقضية الحراطين إلى اليوم لا زالت تتجاذبها وجهتي نظر من يرى المعارضة وآخر مشاركة النظام ، لكن ما يغيب للأسف عن ذهن أجيال الحراطين اليوم أن طموحهم في أن يظل جيل التأسيس صفا واحدا وفي رأي واحد حول كل صغيرة وكبيرة تتعلق بقضية الحراطين غير موضوعي ، فالخلاف أمر طبيعي وارد في مراحل القضايا المصيرية الكبرى للمجتمعات ، ولا يفسد الود ، ولا يؤثر على عرى الأخوة والترابط ورابط الإيمان بقضية الحراطين ، و ، ولكن إذا ما استمرت أجيال الحراطين إلى اليوم العمل في ظل غياب نوع من التنسيق فيما بينهم بتنظيماتهم المتعددة فمن الصعب التنبؤ بمستقبل الحراطين ، مما يلزم التنسيق المشترك القائم على وحدة الهدف والابتعاد عن حمى الخلافات المضرة .
على أجيال الحراطين بأنواعها في أربعينية حركة الحر الوعي بشدة أن نضال الحراطين اليوم بحاجة لوضع استراتيجية جديدة وخطاب جديد قادر على تفكيك مشكل الحراطين العويص ، وإن اقتضى الأمر تكتيكا متجاوزا لطرح حركة الحر في أربعينيتها الأولى ، قادر على التعامل مع الواقع الجديد بواقعية أكثر وعي ، فلقد كان خطاب العبودية مقبولا قبل أربعين سنة من الآن ، ولكن الآن يلزمنا أن نوجه الخطاب إلى لغة تتجاوز الحديث عن مجرد العبودية وكأنها معضلة الحراطين فقط ، ثمة ما هو أشنع ويطحن شباب اليوم من الحراطين ، خصوصا بعد أن شاخ جيل الحراطين الذي عاش في كنف العبودية ، واليوم ثمة أجيال عاشت بدون أن تعرف استرقاقا أو تشعر بأي تباين بينها كحراطين وباقي المكونات إلا في وجه التهميش ، إن جبهة نضال الحراطين التي ستتشكل حتما بعد 40 عاما يطلب منها التأسيس لنضال قادر على التعامل مع الواقع الجديد بكل حيثياته بطريقة تعكس مدى القدرة على تقديم تجربة بإمكانها إبراز قادة قادرين على بناء مجتمع موحد يتجاوز العقليات وينبذ الاسترقاق والتهميش والغبن والظلم والبؤس والقهر والحرمان بالأفعال لا بالأقوال مجتمع تحترم فيه الخصوصيات لكسب رهان الخروج من سجن الاستعباد والتهميش إلى فضاء الحرية والعدل والمساواة السبيل الوحيد لبناء موريتانيا الغد .
حركة الحر وجيل التأسيس نظرة في الأخطاء أخطأ بعض جيل التأسيس الذين هم رموز الحركة وكل أبناء من الحراطين ، حينما انشغلوا بمواجهة بعضهم البعض في ظل غياب المؤسساتية ، بدل الجلوس على مائدة واحدة تحدد ملامح التمكين للحراطين .
أهمل جيل تأسيس الحر خلال أربعين عاما إرساء ثقافة مؤسسية حازمة، فكانت النتيجة دخول الحركة في دوامة الشقاق والخلاف ، والتنازع على أحقية التمثيل للحركة ، فتنازعت قيادات التأسيس شرعية تمثيل الحر ولا أدل على ذلك من إعلان القيادي التاريخي للحراطين الأب الرئيس مسعود بولخير طي صفحة الحر خلال حكم ولد الشيخ عبد الله ، فازدادت حدة الخلاف ودبت في صفوف جيل التأسيس المعارض ، ليحسم الخلاف مؤقتا وتستمر حركة الحر بتبني مجموعة من الجيل التأسيسي للحر ليزداد الشقاق والخلاف في جسم الحر المنهك بالخلافات ، بتعمق الخلاف والنزاع بين جيل التأسيس المتمزق المختلف والمتنازع حول ذاته ، في ظل عجز النصوص عن الإجابة على أسئلة متى نلجأ للحل ؟ ومتى نتقيد باستمرار الحر ؟
تناسى جيل التأسيس أن الخائفون من المستقبل لا يثقون في قدرة غيرهم على تحديد مصلحة الحركة ، ولا يمكنهم ببساطة أن يسلموا مفاتيح إدارتها لأي وافد ،لا يمكنهم المغامرة ، ولا يستسلمون لأي نزعة تطويرية، ويرقبون بحذر أي محاولة للتجديد ، فهكذا يبدوا جيل التأسيس بعد مرور 40 عاما خائفا من المستقبل مثل الأب الذي يصر على اختيار كل شيء لابنه اليافع، لكنّ الأحوال تتغير، والزمن يتطور، وإن لم يستسلم الأب ويكتفي بالنصح والتوجيه - عند الحاجة ـ سيفجعه ولده بتحدي وصايته ، فالسلام على جيل التأسيس . يتواصل في الحلقة الثانية " حركة الحر بين جيلين : مسؤوليات جيل الأربعينية الثانية