قراءة متأنية في فكر الوصاية بقلم : حمين سيدي أمعيبس كاتب صحفي/ناشط حقوقي

أحد, 2017-09-10 12:44

الوصاية علي الفكر و المعتقد تشكل عائقا محوريا في وجه النهوض الثقافي و الفكري في هذا البلد الذي لازال عددا هائلا من سكانه او ساكنته يعيشون الكبت و الحرمان من التعبير عن ما يختلج في ضمائرهم من أفكار راقية و توجهات إنسانية قد تخدم مسيرة التطور المنشودة، وكان الإنسان الموريتاني منذ القدم استثناءا في التعبير و تقديم وجهة النظر بحكم الضغوطات الاجتماعية و التقاليد و الطقوس المعمول بها في المجتمع و بقي هذا الإنسان رغم قدرته يراوح مكانه ويدور في فلك مغلق حول نفسه فلا هو من يحدد رؤيته لكن الناس المحيطين به هم من يحددون تلك الرؤية و يتحكمون فيها و يحددون مقاسها علي هواهم، وهذا ما تؤكده المعطيات و الوقائع ففي كل شبر من هذا الوطن توجد مدارس عقائدية و طرق مختلفة لفئات اجتماعية مختلفة مثل ( الصوفية، التجانية و القادرية ) وكل طريقة لها مورديها و أدبيات ممارستها حيث تحدد سلوك الناس و مستوي تعاطيهم مع العديد من القضايا حتي أن بعضهم أسس مدارسه وقبوره ومواسم الحج إليه و التضرع له و طلب النجاح و الفلاح و الإفلات من العقاب و التقرب إلي الرب وهو ما شكل دخلا معتبرا لهذه المدارس وجعلها تعيش حالة اقتصادية معتبرة و يحصل سدنتها علي امتيازات من طرف الموردين و التابعين حتي أن لهم ترسانتهم الإعلامية التي تسوق توجهاتهم ، وقد فرض هؤلاء في وقت مبكر علي الدولة و صناع القرار الخضوع ولو نسبيا لهذا التوجه و الاعتراف به كوسيلة نجاح وفلاح فسخرت الدولة بمختلف أجهزتها نفسها لخدمة هذه الطرق و اعتبرت التعاطي معها سببا في البقاء و السيطرة علي رقاب العباد و الهيمنة علي البلاد، وقد أستطاع مروجي هذا الفكر نسج العديد من القصص المرتبطة ببقاء الرئيس الفلاني و الوزير الفلاني و المدير الفلاني و زواج فلانة و طلاق فلانة و نجاح فلان و فشل فلان بهذه المدارس ومدي التعاطي معها و العمل وفق توجهاتها وهو ما أسس فيما بعد لما بات يعرف بالخدمة و هي عملية معقدة يقوم من خلالها المورد بالبقاء في الزاوية لمدة زمنية محددة يقوم بواجبات النظافة و الغسيل و إعداد الوجبات و استقبال الضيوف و الكتابة في اللوح و ترتيب حوائج "الشيخ" و الصلاة خلفه و في النهاية يتم تصديره علي أنه تلميذ ممتاز قدم الخدمة و بمقابلها سوف يجد ما يريد حتي أنه في حالات كثيرة يتحول "لشيخ" لا يباري و معجزة ربانية في زمانه، أما المرأة الموردة فإنها تتعرض للعديد من المضايقات بحكم نفسيتها الأنثوية فإذا كانت غنية فسوف تدفع ما في جيبها من أموال من أجل المحافظة علي مكانتها و تعزيز "نصرتها" في وجه زوجها أو عشيقها و إبعاد الشر عنها و مزاحمة حسدتها و الراغبين في تحطيم سعادتها، و إن كانت فقيرة و تريد النجاح فإنها لا محالة ستتنازل عن شرفها حتي لو كانت متزوجة خصوصا النساء المنحدرات من طبقات "لمعلمين،أزناكة،إكاون و العبيد" فهذه الرباعية العرقية لها قصص وحكايات مع هذه المدارس العقائدية و العامل في ذلك يعود في جوهره لمعتقدات اجتماعية هي أن المرأة المنحدرة من هذه الأوساط الاجتماعية يتم التلاعب بنفسيتها و غزوها فكريا من طرف " الشيخ"  أو أحد تلامذته المغربين حتي يتم الإيقاع بها في نكاح المتعة و من ثم الإنجاب من "شيخ" صالح و تلميذ مزكي من طرفه و بهذا تضمن دخولها عرش الأسرة الربانية مما يخولها نسبة من البركة بحكم حصولها علي مولود أو مولودة من شخص صالح قد ينتهي بها المطاف فيما بعد في أزمة تعود في جوهرها إلي عدم الاعتراف بالابن أو البنت و اعتباره نتيجة عملية زنا مفضوحة مما شكل عقدا و مشاكل لدي العديد من أبناء هؤلاء " المشايخ" و تلامذتهم، ولا تزال العديد من المشاكل معروضة علي القضاء الموريتاني بسبب هذه النزوات العابرة وتعيش هذه الأوساط خلافات جهورية بحكم المشاكل المترتبة علي الأسرة و النسل و الميراث و الاعتراف و قد سبب ذلك للعديد من النسوة مشاكل نفسية لازالت تلاحقهم حتي اللحظة، فيما أعتبره الحقوقيين تجاوزات في ميدان حقوق الإنسان وطالبة منظمات عدة بوضع حد لهذه النوع من الممارسات ذات الطابع أللإنساني، اليوم تأتي وصاية علي الفكر من نوع آخر فبعد ظهور جماعات دعوية رافضة لهذا النوع من الممارسات ودخول العديد من الشباب علي خط الدعوة و التبليغ و انصهار فتيات عزل ضمن هذا التوجه الذي لا يرقي لمستوي التطلعات الفكرية للمجتمع بحكم محدوديته الفكرية و تعصب المنخرطين فيه و اختصار رسالته في معادلة "الجنة و النار" مما قاد العديد من الشباب إلي الانخراط في جماعات إرهابية سلفية قاتلة، جاء وجه آخر من أوجه الغزو الفكري وهو ما أسس له بعض الأشخاص ولا يختلف في جوهره عن سابقيه لكنه أكثر وقعا وملامسة لمشاكل المجموعات الهشة وهو "الرقيا" الشرعية و هي ممارسة يتم خلالها إخضاع الشاب أو الشابة لعملية نفسية مكثفة يستخدم فيها المشعوذ طرق مختلفة من أجل الإيقاع بفريسته و هي قراءة ما تسير له من آيات في جل الحالات لا يجيدها ولا يعرف طريقة التعامل معها بالإضافة إلي أصوات مركبة وهمية تنطلق في أنحاء مختلفة من غرفته تشبه تلك التي تتم خلال العروض المسرحية من خلال الموسيقي التصويرية بالإضافة لنوعية الإضاءة و الديكور المستخدم و نوعيات الإكسسوارات الفنية المعروضة في الغرفة كالتسبيح و الأحجار و الكتب و اللوح و المداد و مجموعة من القنينات لبلاستيكية التي تملأ بماء نقيا في جوهره خبيثا في محتواه، هذه الترسانة المنتظمة من الأوصياء علي الفكر يستخدمون نفوذهم و شعبيتهم و ضعف و هشاشة المجتمع في توجيه أفكارهم و أرائهم و فلسفتهم من خلال تكفير كل من يختلف معهم فكريا، وقد وجدت فيهم الدولة و أجهزة مخابراتها ضالتهم من خلال لفت انتباه الرأي العام عن القضايا الوطنية الكبرى من خلال استخدامهم في مهرجانات النصرة و الوقفات و الإعتصامات حتي أن الدولة في جل الأحيان تتهم باستخدام أشخاص من أجل إصدار تصريحات أو كتابة مقالات و أو القيام بأفعال من أجل شغل الرأي العام و توجيه بوصلة الأمور ذات الحساسية البالغة وهو ما أكدته موجة الإعتصامات و الوقفات و حتي حمل السلاح خلال محاكمة محمد الشيخ ولد أمخيطير و ما تبعها من اتهامات في توظيف "جماعة النصرة" لأغراض آنية و مصالح شخصية ضيقة مثلها مثل استخدام محرقة حركة إيرا الإنعتاقية و التصريحات المتكررة لبعض الناشطين الحقوقيين الذين تطالب جماعة النصرة بمعاقبتهم و قطع رؤوسهم و في النهاية تتم تسوية الملاحقة القضائية و يطوي الملف و تعود ليلي لعادتها الأولي في انتظار نبش ملف فكري جديد بهذا تكون النصرة و مشتقاتها مهدئا و منوما فعالا للعديد من القضايا الوطنية الكبرى، فبعد تحريك طلاب الجامعة لفراكوفنيين الزنوج و القوميين العرب و الإسلاميين في مظاهرات كلما كانت هناك زيادة في أسعار المواد الغذائية أو الوقود أو خلق صراعات ثقافية كالتعريب، و موجة الاحتجاجات الطلابية التي توجه الرأي العام، وبما أن طلاب الجامعة أصبحوا أكثر تحصينا بحكم ثورة الاتصال الرقمي و فهم أساليب اللعبة، فإن إدخال النصرة علي الخط يعوض ذلك ألاعب المهم في المعادلة الأمنية فالنصرة تقاد من طرف شخصيات مرجعية و تتوفر علي أموال معتبرة من أباطرة و كهنة في الخليج و يستخدمون مناطق الهشاشة القصوى لشغل المواطن البسيط عن قرار كانت السلطة ستتخذه و حتي المقاربة الأمنية يلعبون فيها دورا محوريا حيث أن نقاط تجمهرهم و الحيز الجغرافي الذي يتحركون فيه معروف مسبقا من طرف قوات الأمن التي ستطوق أماكن تواجدهم و بالتنسيق مع قادتهم بهذا تكون الدولة تستخدمهم كجهاز تحكم عن بعد فكل دعاوي قضائية تقدم في حق قادة هذا التوجه من نصرة و أحباب الرسول تتم تسويتها بصفة ودية في أروقة المحاكم و تلعب الدولة فيها دوريا محوريا من أجل إفلات المدعي عليه من الوقوع في شرك العدالة لأنه بطارية تشحن من طرف المخابرات كلما كانت هناك ضرورة و الله في خلقه شؤون.