حشرات ضارة / سيد محمد ولد أخليل (رأي حر)

خميس, 2017-04-06 09:29

هل يمكن لهذه الدنيا أن تصفو يوما وتتحول إلى جنة رائعة المقام ؟
إذا تأملنا فيها وجدنا من المنشطات (أسباب السعادة إن جاز التعبير) ما يدفع بعض الكهول إلى الطرب والرقص والإتيان بالحركات البهلوانية التي يستحي منها الصغار ! ولاحظ ذلك في أغلب من تجتاحه تلك الموجة العارمة من البهجة والسعادة عند وجود أسبابها (خصوصا ما تعلق منها بالشهوات) !

وفي المقابل توجد المكدرات والمعكرات والمثبطات العابسات التي تضرب كل إنسان على وجه هذه الأرض (خصوصا من أعرض عن ذكر الله واختار حياة الضنك البائسة) دون تمييز بين غني وفقير أو كبير وصغير – وإن كانت قليلة في زمن الطفولة الرائع.
ألم تسمع يا جامع ما لا يبقى عن الملياردير الذي انتحر سخطا رغم ما عنده ؟
هل المال هو كل شيء ؟ يقول بعض الحساد: لا، ويعممون !
لكن الحقيقة أنه ابتلاء ككل ابتلاءات هذه الحياة، من وضعه في محله نجا وارتاح، لكن أين من يفعل سط هذه الحياة التي تحولت إلى بورصة البورصات ؟ إنهم قلة نادرة ، ولا يعني ذلك أن الفقراء أفضل منهم، نعم الفقراء هم أكثر أهل الجنة كما ثبت، لكن قد يكون من بين الأغنياء من هو أفضل منهم بمراحل.
وبمناسبة ذكر الجنة والنار، متى آخر مرة طالعت فيها كتابا من كتب الدين ؟ وهل غطى الغبار مصحفك يا أخي ؟

هذه الدنيا مبنية على النقيضين، ألا ترى البياض والسواد، الليل والنهار، الحق والباطل، الفرح والحزن، الغنى والفقر، الإستغناء والحاجة، الزوجين: كالعينين، والأذنين والرجلين والجناحين.. والزوجين الآخرين !
إنها صناعة محمكة لن يبلغ الإنس والجن ظفرها، وإلا فليأتونا بروبوت واحد له إمكانيات الأميبا !
إنها مصنوعة ليشقى الإنس والجن فيها، ويضرب بعضهم بعضا !
لابد من الشقاء، حتى الإملاء الخادع الموهم الذي تراه في أغنياء أهل الغفلة والضلال والكفر هو قمة الشقاء.
نحن أمام اختبار عظيم، وامتحان عسير يحتار أمامه الشيخ والعالم وحتى الرئيس المسكين المبتلى بهذه البلية وما رافقها من أخطار ومعارضات ومظاهرات، وهو أكبر مثال على تقلب أحوال هذه الدنيا عندما توليه عرض كتفيها وتصرخ في وجه: اغرب عن وجهي ! ساعتها يدرك فظاعة ما كان يتجاهله طيلة فترة سيادته وفرح الدنيا الخادعة به، وقل المثل عن كل مبتلى !

كل واحد منا إذا عرف قوة الإبتلاء أوجب العقل عليه أن يعذر غيره من المتشيطنين المبتعدين عن أوامر الخالق جل جلاله، فالشيطان الموسوس للجميع لا يترك هو وجنده لأحد فرصة النجاة ، ومحاربته تحتاج إلى الكثير من العدة والسلاح الذي قلت مصادره في هذا العصر نتيجة إرتماء الناس في أوحال البدع والديمقراطية والدنيا، حتى وصل بهم الأمر إلى قلب المفاهيم وربط "الإصلاح والإنجاز" بما لا علاقة له به من أمور أعداء الله والدين من نصارى ويهود حاقدين !

الدنيا حسب وجهة نظري القاصرة، مزيج من oui و non ، وليأتنا من صفت له بشهادته على ذلك، لذا وجب علينا جميعا الحذر والإنتباه إلى ما هو أسمى من هذه المستنقعات التي ننغمس فيها مثل المجانين.
والمقارنة بين 70 سنة هي عمر الإنسان في المتوسط وسط هذه الحشرات المؤذية، والخلود في عالم لا تعب فيه ولا حزن ولا كدر، عالم لا شقاء فيه ولا تعاسة ولا شياطين بل حتى لا خبثاء من الناس، عالم نحن فيه – إن شاء الله – ملوك تدخل علينا الملائكة من كل باب، لمثل هذا العالم فليعمل السياسي المخرف الذي ينطبق وصف الهذيان على كل ما يقوله مما هو مبني على قاعدة النسيان،  وليعمل المفكر الأحمق الذي يرتمى مثل العاهرة المجنونة في أحضان فولتير وماركس والكواكبي وقطب والبنا، وليعمل العالم الذي يريد باجتهاده المحدث أن يشار إليه بالبنان، وأنى له ذلك فقد انقرض العلماء ولم يبق منهم إلا من يتعلق بحبال السنة قولا وعملا لا يخشى في الله لومة لائم أما من يخشي فيه لومة كل اللائمين فليغلق عليه باب داره وليريح الناس من شر طلاته لأنها موهمة بأن من يتعايش معه من أهل الضلال على حق !

وبمناسبة ذكر أشباه الحشرات، ألا ترى أن عذاب النار في الآخرة يتضمن أشد وأفظع وأقسى أنواع العذاب، فجهنم والعياذ بالله، عالم لا شراب لأصحابه إلا من حميم، ولا طعام إلا من غسلين، تحرق جلودهم مرارا وتكرارا ليذوقوا قمة العذاب إلى أبد الآبدين !
فيها حيات وعقارب بقدر الجبال، لا تقارن بها أبدا ما يخيفك في بادية أهلك ومطار أم التونسي !
وربنا تعالى لا يظلم مثقال ذرة، فكل من يدخل ذلك العالم القاسي الرهيب، يستحقه ! لكن كيف ؟
ماذا فعل ليستحق كل ذلك العذاب ؟
سؤال جميل إذا طرحته على أشباه المثقفين الذين عندنا لفضلوا أن يكون سؤالك حول عدد المرات التي ضاجع فيها فولتير بغير وجه حق أو سرق أو كذب، فذلك أخف على قلوبهم من الحديث فيما يتعلق بالدين المنبوذ الذي لم يعد يربطهم به غير هذه الصلاة التي لا يهتمون حتى بشروط إتقانها، هذا إن صلوها أصلا !
انظر إلى تدرج الإنسان في الذنوب، وما خفى من ذنبه أعظم، وسيتبين لك ذلك ! ألا ترى الواحد منهم يبدأ بجرعة من الخمر وذرة مخدرات، ثم بعد شهر يتحول الأمر إلى جرعتين وذرتين، وهكذا إلى أن تتمكن منه العادة الخبيثة، وفي رحلة الشقاء والضنك لابد أن يفعل الكثير من المبيقات الأخرى، فالذنب الأساسي أو مدخل الشيطان إلى الإنسان أو لنقل نقطة ضعفه يشبه الطريق الأساسي الذ تتفرع عنه طرق كثيرة قد يوجد من بينها ما هو أكبر وأفظع منه ! وكل واحد منا مبتلى بطريق أساسي قد يكون أساس ابتلائه إن نجح في طمسه بدل الركض عليه وتحول عنه إلى التقوى، نجا وفاز.
فالمدمن قد يقتل بسيارته وهو فاقد للوعي، وقد يغتصب ابنته أو أخته ثم يقتلها علاوة على ذلك والعياذ بالله، وقد وقد، وما خفى أعظم وأدهى، وتلك هي طرقه المتفرعة عن الأساس...
انظر إلى الطفل الذي فتح له أهله الإنترنت على مصراعيها بإعطائه هاتفا ذكيا فاجرا بلا رقيب (لا من مصلحة الإنترنت في البلد ولا من الأهل)، ورموا به في المدارس الأجنبية مثل petit centre ليتعلم على يد سفيان الثوري ! عفوا أخطأت، أقصد على يد مسيحي قادم من أصقاع إفريقيا السوداء او من فرنسا البيضاء ، قد يكون مدمن خمر لا يتورع عن الحديث عنها أو حتى شربها أمام الصغار ! وقد يعلمهم الكفر بالله وإن لم يقصد ذلك، وقد يعمل على دعوتهم إلى مسيحيته إن كان متحمسا لها، وقد يناقش الإلحاد أمامهم ويعلمهم الجرأة على الخالق والدين لأن ذلك هو ما يراه، ألا يضع الأهالي هذه الإحتمالات أم أن السياسة والتجارة ألهت عن كل صالح نافع.
المهم أنه سيعلمهم كل ما لا ينفعهم في دينهم، وقد لا ينفعهم في دنياهم من فرنسية أعجمية وعلوم حياتية تجعلهم مفكرين في نظر الأبالسة خصوصا إذا تعرضوا للإسلام بفلسفاتهم وآرائهم السخيفة، فيخرج الواحد منهم بعد أربع وعشرين سنة من الذهاب والمجيء من وإلى المدرسة ، وهو لا يعرف شيئا عن دينه ! وهذا هو الواقع، فلا تكذبوا على أنفسكم.

هل تعلم أنه من بين كل 1000 إنسان سيستحق النار 999 شخص ! ويا له من عدد مهول يدلنا على حقيقة الذين يحيطون بنا في هذه الدنيا، فلا تستغرب من جحود المقربين إليك، وغدرات ذوي الأمانات الزائفة، وصدود الذين تحبهم ويكرهونك او يحسدونك ، وحفريات الحساد والمنافقين المتواصلة التي تهدف إلى سقوطك في الجب الذي لا خروج منه.. إنه الإبتلاء الذي لا مفر منه، ومن لجأ إلى ربه كفاه وأغناه وأحياه حياة طيبة في الدنيا والآخرة كما وعده..

وحديثي اليوم عن نوعية خبيثة من تلك الحشرات، إنها نوعية تجاهر بالعداوة ولا تبطنها ! تقول لك في وجهك: اعلم يا هذا انني ابتداء من اليوم عدوك وسأحفر لك، وحياتي الكئيبة كلها وقفا على إفساد حياتك وتبديد منافعك !
ذلك النوع من الحشرات الحقود الشرير المفترس – إن استطاع - هو الأسوأ ، وأمثال هؤلاء مكانهم الشارع ليمارسوا فيه ما يسمى بالبلطجة لا الإدارات ومنازل الكرام.. ومثل هؤلاء لا أعتقد بوجود خير فيهم لأنهم كالمجاهر بالسيئات لم يجاهر بها إلا بعد أن فاضت من كأسه !
فطبعهم المجاهرة والمعاندة والمكابرة والحقد والحسد والتشفي والإنتقام والتغذي على أذية الآخرين، ومثل هؤلاء في السابق كانوا إما يَقتلون أو يُقتلون (وآخر أمرهم القتل)، لكن في زمن القوانين والدبلوماسية والخشية لم يعد بالإمكان إلا مسايرتهم والحرص من غدراتهم الفاجرة، فلا أحد يرضى بمعاداة حشرة بغيضة تعيسة قبيحة ؟!
ويبقى لدى المؤمن أقوى سلاح في وجه العفاريت والحشرات الضارة ألا وهو الدعاء أن يريحه الله من شر الجميع ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر..