أعيش غربة داخلية في وطني المغتصب، ورغم ذلك تعتريني لحظات عشق وحنين له ولروابيه الجميلة ولشمسه التي عندما تُلقي بأشعتها الذهبية على محيطه ـ وأنا أقف على شاطئه أتأمل وأحدث اسماكه عن حكاية انسان هذا الشاطئ معها ـ تجعلني أبثه أشجاني وآلامي وما أعانيه من وحشة هذه الغربة المفروضة , فأبحث عن قلمي ودفاتري لأكتب من واقع هذا الشعب ومن أجل هذا الشعب الطيب المسالم الذي يستسلم للاوهام والأباطيل , ويصدق كل ما يقال , ويصفق ـ مع الأسف ـ لكل من يعتلي عرش السلطة بل ويُقدسه. إن من أهم العوامل التي جذرت هذه العادات السيئة في عقول هؤلاء المواطنين البسطاء : الجهل وعدم الوعي ، والدور الخبيث للمستعمر وأزلامه ,حيث ترك بصماته واضحة على كل شأن وكل زاوية من زوايا ساحتنا , كما غرس في أذهان الشعوب أن مَن وَلَّاهُم علينا وساندهم وفرضهم هم أصحاب الكلمة العليا والرأي المسموع بحكم قوته و هيمنته. واستغلالا ومصاردةً منه للفكر , ولعبه باستمرار على وتيرة التخلف ,وانعدام التطور وضعف التنمية وعدم قدرة الشعوب على استنارة العقول وتجاوز العقبات ، لهذه الاسباب كلها فإن هذه الشعوب في نظره لا تُمثل سوى قطعان ماشية كلما انتبهَ لصياحها , رمى لها بعض الفُتات من فضلات خيراتها المنهوبة. واليوم تقف بلادنا على مفترق طرق، تتلاعب بها عصابات متمثلة في عسكر يحكمون بقوة السلاح وبدافع الثأر من مَن سبقوهم , لنهب الغنيمة ( خيرات الوطن ) فقد اختلس أسلافهم ميزانيات البلد لسنوات عديدة , وذلك على مرأى ومسمع من معارضة منقسمة، غوغائية هشة ,فاشلة , تلعب على وتيرة “فرق تسد”, متجاهلة كل مصلحة وطنية , وضاربة عرض الحائط بمعاناة المواطن ، تدعمها في ذلك جهات تحركها الجهوية المقيتة والقبلية والعصبية. تعتبِر موريتانا مملكة خاصة بها لا يشاركها أحد ,ولا تقبل المشاركة من أحد , فهي مثلا تستميت وتجاهد وتعلن استعدادها التام للتضحية من أجل قطعة قماش وكلمات نشيد, بل إنها تدفع وطنا وشعبا بأكمله ثمنا لبقائهما كرمز لجيل معين وحقبة معينة من التاريخ. كما توجد جهات أخرى تدفعها اطماع واحقاد شخصية وجهوية , وصراعات داخلية يحركها وجهاء ومشاييخ رأوا أن الوطن مجرد كعكعة وقد لا يكون لهم منها نصيب في ظل الوضع السائد ,فسارعوا للإعلاء من شأن القبيلة ولَمِّ شتاتها حتى يَسْتقْوُوا بها , وقد ظهر ذلك جليا في حفلات التنصيب لشيوخ القبائل مؤخرا ـ بعد أن كادوا يطويهم النسيان والاهمال ـ ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في المظاهر الإستعراضية والمهرجانات الضخمة لهذه القبائل , والتحالفات الجهوية التي تعقد هنا وهناك وتستخدم فيها سباقات الخيول والجمال وانواع الرماية وكأن طبول الحرب تدق ـ أعاذنا الله ـ من أجل “أمور تافهة” فضلا عن حركات عنصرية حاقدة يغذيها اليهود ويدعمها الغرب ،تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تزرع بذور الفتنة والطائفية بيننا , كما تسعى جادة الى تقسيم موريتانيا على غِرار ما وقع في دول افريقية أخرى ، وفي مقدمة هذه الحركات : ــ حركة “افلام” التي لها خلايا نشطة داخل البرلمان وخلايا نائمة في اوساط شعبية مُغرّرٍ بها , وقد ساعدها ضعف سياسة الجنرال الداخلية في استعادة نشاطها العنصري الحاقد. ــ حركة ايرا السرطانية التي تنخر في جسم هذا الوطن وتعمل جادة على تمزيقه وتقطيع أوصاله بحجة الدفاع عن حقوق “لحراطين” مع أن شريحة لحراطين هي عدوهم الاول وهي المتضرر , فهم لا يريدون من ورائها في الحقيقة إلا أن تكون جسرا يعبرون به الى المنظمات الصهيونية والماسونية ثم يلقون به في البحر. ــ وطبقات مثقفة صامتة واهنة كأن على رؤوسها الطير. ولربما تكون هذه العوامل والعراقيل التي ذكرنا آنفا هي من تقف عائقا في سبيلها , مع اعتقادي الراسخ ان هذه الطبقة المثقفة الصامتة هي من تقع عليها المسؤولية الآن في انتشال هذا البلد , مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف التي يمر بها العالم العربي من تشرذم وضعف نتيجة لخطط محكمة للأسف وقعت الشعوب في فخها. لذا يجب عليها أن ترفع شعار التغيير السلمي والجاد دون كلل أو ملل ،معتمدة في ذلك على قوة الشباب من كل فئات هذا الشعب ،بالمشاركة مع كل الجهات والمنظمات الوطنية بعيدا عن القبلية والجهوية والتمييزية. نحن يا سادة بحاجة الى عقول واعية وطنية ورجال حريصين على هذا الوطن , يخافون الله في هذا الشعب، ويعملون من اجل البناء الجاد , مع الاخذ بعين الاعتبار بمبدأ الحيطة والحذر من اعداء الداخل قبل أعداء الخارج , بل والقطيعة التامة مع كل من شارك في أي حكم أو شغل أي منصب سامٍ في الانظمة السابقة والحالية وثبت فساده ، وكذلك القطيعة والحرب على كل منتفخي البطون من مافيات الاحزاب الذين يعقدون الصفقات من وراء الكواليس باسم ناخبيهم وهم منهم براء , حيث لا يعرفونهم الا في مواسم الانتخابات. إننا يجب أن نعي جميعا أن الرئيس عزيز يسير حسب خُطَى مَن سبقوه، فموريتانيا مسلوبة ومغتصبة ومرتهنة في أيدي قِلّة قليلة.
