متابعة لـ" علاقة بيرام وعزيز" (تفاصيل حصرية جدا)

أحد, 2016-05-08 15:27

بدأ بيرام ولد الداه ولد اعبيدي وهو رجل ذكي يحمل شهادة عليا من السنغال، ويتوزع انتماؤه بين منطقتي جدر المحكن وبتلميت، بدأ حياته المهنية كاتب ضبط،

بسبب علاقاته مع وزير العدل حينها اسغيرولد امبارك، حيث اشترك الرجلان لفترة في الميول البعثي.

انتقل بيرام بين النعمة وازويرات ومناطق أخرى قبل أن يغادر العمل في كتابة الضبط دون أن يعني ذلك فصله من قطاع العدالة، حيث لا يزال إلى وقته الحالي موظفا في القطاع المذكور، يتقاضى راتبا يقل عن 300 ألف أوقية بشكل شهري.

نشط ولد اعبيدي في خلايا الحزب الجمهوري على مستوى مقاطعة الرياض وكان ضمن الأطر الذين رعوا واستقبلوا رئيس الجمهورية معاوية ولد الطايع أثناء تدشينه لمقر دار الكتاب في المقاطعة المذكورة.

وبعد سقوط ولد الطايع بدأ بيرام يرفع من وتيرة خطابه السياسي والحقوقي، وذلك عبر مقالاته المدوية في جريدة السراج، فكان أحد أكثر الكتاب إثارة للجدل في موريتانيا، حيث طرق المسكوت عنه في قضية الرق بقوة وجراءة غير مسبوقة.

ومع بداية الموسم السياسي في 2007 وانطلاق السباق الانتخابي اختار بيرام ولد اعبيدي دعم المرشح الزين ولد زيدان ضمن مجموعة من أطر لحراطين ضمت على سبيل المثال السعد ولد لوليد والوزير السابق عمر ولد معطى الله والصحفي لحبوس ولد سالم، وكان بيرام حينها ناطقا رسميا باسم المترشح الزين ولد زيدان، وبرر ولد اعبيدي ذلك الخيار بالقول "إنه تحالف بين القوى الانعتاقية التقدمية وبين القوى المالية لأن النضال يحتاج إلى دعم مالي".

لكن العلاقة بين بيرام والزين سرعان ما ساءت بقوة، بعد أن رفض الزين تعيين بيرام ولد اعبيدي في أي منصب حكومي ضمن حكومته التي شكل عقب الانتخابات تحت رئاسة الرئيس المعزول سيدي ولد الشيخ عبد الله.

البحث عن حرطاني منافس ..

بعد الإطاحة بالرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله، أخذ مسار العلاقة بين بيرام والسلطة الجديدة منحنى آخر، حيث بدأ الجنرالات يفكرون في شخصية من شريحة لحراطين يمكن أن تنافس بشكل قوي رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير ورئيس حزب الوئام الحالي بيجل ولد هميد، وتكفل الجنرالان محمد ولد الهادي ومحمد ولد مكت بالبحث عن البديل المفترض.

كان مسعود ولد بلخير قد التقى ولد عبد العزيز أياما قليلة بعد الانقلاب وتبادل الطرفان التهديد والعبارات النارية.. أخرج ولد عبد العزيز من درج مكتبه ملفات كثيرة حول ما يعتبره الفساد والسرقة التي انتهجها مسعود ولد بلخير خلال إدارته للجمعية الوطنية، ورد ولد بلخير بالقول "إن كلمة واحدة منه للحراطين سواء في الجيش أو الأمن أو من الشعب ستعجل بنهاية ولد عبد العزيز وعليه أن يفهم ذلك سريعا"، وانتهى اللقاء بغضب شديد وإحساس كل طرف بنقاط القوة التي يملكها خصمه.

انطلاقا من هذه الوضعية بدأ الجنرالات البحث.. انطلق الجنرال محمد ولد الهادي إلى المدير السابق لصناديق القرض والادخار أحمد ولد خطري وعرض عليه العرض الرئاسي إنه البحث عن حرطاني مستعد للبروز كزعيم سياسي خلفا للوجوه الحرطانية المعارضة للانقلاب.. تردد ولد خطري كثيرا قبل أن يرفض، وأخيرا رماه العسكريون خلف الزنازين سنتين أو تزيد.

وفي المقابل نقل الجنرال محمد ولد مكت ذات العرض إلى بيرام ولد الداه ولد اعبيدي مستعينا في ذلك بالعلاقات التي تربط ولد مكت بالأسياد السابقين لبيرام وقبل بيرام، وبدأ مساره السياسي من جديد، حيث ركز بقوة على انتقاد بيجل ومسعود وانتقاد من يعتبرهم سياسيي لحراطين الذين فشلوا في تقديم أي شيئ لقضية الشريحة.

وبعد اتفاق داكار واستتباب الأمر لولد عبد العزيز تنكر الأخير من جديد لوعوده التي قطع لبيرام، ورفض تعيينه عضوا في الحكومة، واقترح عليه مقابل ذلك التعيين كمدير مركزي في إحدى الوزارات، رفض بيرام أيضا، وبعد فترة من الهجوم المركز على ولد عبد العزيز عاد هذا الأخير مرة أخرى ليستقبل بيرام في القصر الرئاسي، حيث عبر بيرام عن استعداده لقبول منصب المدير المركزي لكن عزيز رفض هذه المرة.

مسار التدويل..

بدأ بيرام يحس بالورطة والتلاعب الذي يعامله به ولد عبد العزيز، وقرر نقل نشاطه السياسي إلى جانب أكثر وضوحا وقوة، فقد استطاع خلال تلك الفترة كشف عدد كبير من جرائم الاسترقاق في موريتانيا وأصبح الاسم الأكثر إرعابا للمسترقين في موريتانيا، حيث أعادت مئات الأسر الموريتانية بعض عمالها من الأطفال والنساء الذين كانت تستخدمهم ضمن علاقات الاسترقاق ومخلفاته.

وأخيرا فتحت عناصر لحراطين المقيمين في أروبا ـ وخصوصا الشباب والمثقفين في ألمانيا ـ علاقات قوية بين بيرام والمجموعات الحقوقية في أروبا وأمريكا، قبل أن تتوتر العلاقة بين بيرام ولد اعبيدي وبعض رفاقه في أروبا بسبب ما يعتبرونه العلاقة الجديدة التي ربطت بيرام بالحزب المسيحي الألماني الذي يصنف في أروبا باعتباره حزبا متطرفا.

محرقة الكتب .. إنقاذ للجنرال المهزوز

 يقول مراقبون للمشهد إن مشكلة بيرام الأكثر عمقا هي مستوى الثقة التي يوليها لبعض القادمين إليه وقدرته الفائقة على تدمير العلاقات مع مختلف الأطراف السياسية والنضالية التي تهتم بقضيته، وذلك بسبب حدة خطاباته وأسلوبه المتشنج في الحديث.

كان ولد عبد العزيز يواجه أزمة الرحيل ويضيق خناق المعارضة ضده، في تلك الفترة بدأت عناصر معروفة الصلة بالأمن الموريتاني  ترتبط من جديد ببيرام، كما بدأت العناصر تشن حملة قوية على كتب الفقه المالكي في موريتانيا وتصفه بفقه النخاسة، وفي لقاء في منزل أحد أولئك العناصر وجهت شخصية تحسب على تيار الفقهاء والزوايا في موريتانيا انتقادات لاذعة إلى الفقه المالكي ووصفته بفقه النخاسة.

في تلك الفترة انتقلت عناصر من الشرطة ومن الحرس الرئاسي إلى حلف بيرام، وأصبح هؤلاء الذين يظهر بعضهم كمرافقين وآخرين ضمن الأنصار الدائمين ينقلون تحركات بيرام بشكل دقيق إلى السلطة.

وفي تلك الفترة بدأ بيرام أيضا يكيل التهم العنيفة للعلماء الموريتانيين وخصوصا الشيخ محمد الحسن ولد الددو بالتزامن مع توتر العلاقة بين ولد الددو والرئيس محمد ولد عبد العزيز، وبدأ أنصار بيرام على الفيس بوك يدبّجون صورا لولد الددو في وضعيات مخلة وأخرى يضعون فيها رأس ولد الددو على جسد امرأة ومرة على جسد كلب، كان ذلك بالتزامن مع أقسى العبارات السيئة التي يطلقها ولد اعبيدي ضد الشيخ الددو والتهديدات التي يبعثها ولد عبد العزيز إليه.

وأخيرا قرر بيرام حرق مجموعة من كتب الفقه المالكي، وذلك ضمن فعاليات صلاة خاصة للجمعة، أقامها بيرام أمام منزله في الرياض ومع إمامه العيد ولد لمليح، وكان من اللافت حينها أن الرئاسة قد استدعت مساء يوم الخميس مدير التلفزة الموريتانية يومئذ المدير ولد بونه من قريته "أبداه" (25 كلم شمال روصو) للعودة إلى نواكشوط، وظهرت كاميرات التلفزة الموريتانية لتنقل المشهد.. ترى من استدعاها ومتى كانت التلفزة الرسمية تحضر أنشطة المعارضة وخصوصا حركة حقوقية غير مرخصة؟.

وفي السجن..

بدأ دخان المحرقة يؤتي أكله، واستطاع النظام تجييش الشارع ضد بيرام وضد المعارضة على حد سواء، واحترق مطلب الرحيل، وبدا جليا أن بيرام سقط مرة أخرى في شباك المخابرات الموريتانية وبشكل عنيف.

في السجن بدأت خلية معلوماتية قرصنة بريد بيرام ولد اعبيدي، حيث استنسخت كل مراسلاته مع النشطاء ومع رفاقه الحقوقيين ومع المانحين والمنظمات الدولية، اسنتسخت الكثير مما كان بيرام يرغب في أن يظل بعيدا عن الأضواء.

وقرر الأمن الموريتاني ـ إمعانا في إهانة الرجل ـ مواجهته بتلك المراسلات مع حملة شحن نفسية قوية ضده في الإعلام، وإبلاغه من قبل بعض المحامين وأعوان الأمن أن القضية بالغة الخطورة وأنها تأخذ مسارين: أحدهما الردة والثاني خيانة الوطن والتراسل مع جهات أجنبية، ومع استمرار هذه الحملة المركزة انهار بيرام نفسيا، ودخل في نوبات بكاء حادة نقل بعدها إلى المستشفى الوطني، بعد المستشفى اتصل بيرام بمسعود ولد بلخير من السجن وطلب منه الوساطة، وأخيرا أفرج عن بيرام وخرج من السجن بوساطة مسعود، وباتفاق ضمني مع السلطة.

وهنالك بدأ مسار جديد بموجبه خرج بيرام ولد اعبيد من السجن وهو يثني على الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويصفه بالرجل الذي أنقذ البلد من حرب بين الشرائح، فيما كال الشتائم للمعارضة بشكل غير مسبوق.

وفي المقابل سمح عزيز لبيرام من جديد باستئناف رحلاته وعلاقاته الدولية، حيث نال عدة جوائز كبيرة تكريما له على نضاله ضد العبودية.

ولم ينس بيرام في هذه الفترة أن يرد الجميل لمسعود ولد بلخير، وذلك عبر خرجات إعلامية وجه له فيها انتقادات لاذعة وسبابا مقذعا تحول إلى سجال بين أنصار بيرام وأنصار مسعود.

وسيط جديد للعلاقة.. 

في هذه الفترة تحسنت العلاقات بشكل غير مسبوق بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأحد أكبر خصومه الإعلاميين، وتوج الأمر باتفاق بين الطرفين أنهى مرحلة من العداوة استمرت ثلاث سنوات، وقد كلف ولد عبد العزيز هذا الصحفي بإدارة العلاقة من جديد مع بيرام، مستعينا في ذلك بثقل مالي كبير تمثله أسرة أهل ودادي المعروفة بقربها من الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

وضمن هذا السياق ترشح بيرام ولد اعبيدي للرئاسة، وفي تلك الأثناء أيضا التحق به الدكتور السعد ولد لوليد الذي كان من أوائل الملتحقين بولد عبد العزيز من حزب عادل عقب الانقلاب، ويعرف بعلاقاته الاجتماعية القوية مع مدير وكالة الوثائق المؤمنة امربية ولد الولي.

تعهدت أسرة أهل ودادي بتمويل حملة بيرام ولد اعبيدي بمبلغ يناهز 200 مليون أوقية، لكنها تراجعت في النهاية وقررت عدم تسليم أي مبالغ نقدية مكتفية بتوفير المستلزمات وكان من بينها سيارة V8 جديدة تسلمها بيرام من المجموعة المذكورة في الحملة إضافة إلى مستلزمات مالية ناهزت ستين مليون أوقية.

النتائج الصادمة..

وانتهى السباق الانتخابي وحصل بيرام على 11% من أصوات الناخبين في موريتانيا وكانت تلك النتيجة صادمة جدا، وخصوصا بالنسبة للأطراف المحافظة داخل النظام، وبدأ مسار جديد من التوتر بين الطرفين .. كان بيرام يعتقد أن مؤشرا جديدا تضيفه هذه الانتخابات إلى مساره الانتخابي أوله:

-  تبرئته من التهم المناقضة للحق الانتخابي حيث كانت تزكية المجلس الدستوري لملفه نهاية لأحلام الذين تمنوا أن تحكم عليه العدالة بتهمة الردة، كما كانت نهاية أيضا للحملة  الرسمية ضده.

-  السجل السياسي الحافل: فبالإضافة إلى نجاحاته الخارجية وحضوره الدبلوماسي، أصبح بيرام رقما سياسيا صعبا، وأصبح وفق مؤشرات الأصوات الزعيم الأكثر تأثيرا في الشريحة السوداء في موريتانيا سواء تعلق الأمر بالحراطين أو الزنوج على حد سواء.

-  التمويل والدعم: بسذاجة كبيرة توقع بيرام أن تسدد له المجموعة الرئاسية بقية المخصصات التي وعدوه بها، وهكذا بدأ التودد من جديد للسلطة، حيث التقى وزير العدل في مكتبه أياما قليلة قبل زيارة مفوضة الأمم المتحدة المكلفة بالقضاء على الرق وعرض بيرام خدماته في هذا المجال ومن بينها تقديم صورة إيجابية عن تقدم ملف الرق في موريتانيا، وهو ما نال موافقة الوزير، وتم بالفعل حيث أبلغ بيرام المفوضة المذكورة بتقدم ملحوظ في مكافحة الرق وآثاره في موريتانيا.

وظن بيرام أن تلك الخطوة ستؤدي إلى نتائج إيجابية، وبدأ المطالبة بسداد المتأخرات، لكنه فوجئ برد قاس وقوي من السلطة التي رفضت تسديد أي أوقية من 160 مليون أوقية المتبقية.

أخذ بيرام يتجه نحو مسار آخر، وهو العلاقة مع شريحة السوننكي المسالمة في موريتانيا، وهكذا حضر حفل المطالب السياسية والاجتماعية لشريحة السوننكي، واتهم سياسيي الزنوج بالعمالة للبيظان والتقط النظام هذا الخيط من جديد.

وبدأ الإعداد .. كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد صرح لعدد من زواره بحنقه الشديد على ثلاث شخصيات هي:

-        بيرام ولد اعبيدي

-        جميل منصور

-        صمبا اتيام

ووصف الثلاثة أكثر من مرة في مجالس خاصة بأنهم "منسوخين طاعنيني"، فيما خص بيرام بالقول "إدور اشوف ذاك".

أشواك في طريق الاعتدال..

كان الصحفي الذي أعاد ربط العلاقات الودية بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبيرام ولد اعبيدي قد ربط علاقات مماثلة بين بيرام وأحد كبار المشايخ الروحيين في ولاية اترارزه، حيث يرتبط ذلك الشيخ بعلاقة مصاهرة مع الوسيط المذكور، كما حضر بيرام أيضا الأيام القرآنية في قرية رباط الفتح لدى أسرة أهل الشيخ النحوي التي لا تتمتع بعلاقات صداقة عميقة مع ولد عبد العزيز.

وبدأ بيرام مسارا جديدا مع القرآن الكريم، حيث نقل أسرته إلى قرية معطى مولانا لدراسة القرآن الكريم، كما التقى لاحقا في نواكشوط الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي ونصحه هذا الأخير بالاعتدال وتليين الخطاب.

وأعلن بيرام عن مسار جديد من الاعتدال، ونقص الشحنة العنصرية ومنسوب السباب والشتائم في خطابه، قبل أن ينفجر الأمر من جديد، ويوجه اتهامات وسبابا مقذعا لمفتي موريتانيا الشيخ أحمدو ولد لمرابط.

عزيز وبيرام هل تكون المواجهة..

 يقول العارفون بالرجلين إن وعدهما ووعيدهما ليس نهائيا وأن العلاقة بينهما مبنية على الشد والجذب وأن الهجوم الأخير لولد عبد العزيز على بيرام ولد اعبيدي لن يكون خاتمة المطاف، حيث لن يعدم الطرفان فرصة جديدة للمصالحة أو التوافق الضمني تمهيدا لحدث سياسي أو أمني كبير يشغل الناس فترة زمنية قبل أن يبدأ مسار آخر.