مقابلة خاصة ومثيرة مع ناشط حقوقي مثير للجدل بموريتانيا.

جمعة, 2016-04-08 11:27

حوار شامل مع الناشط الحقوقي  د/ محمد ولد ابراهيم

رئيس المنظمة الموريتانية لمناهضة التطرف و لدعم الوحدة الوطنية

  الدكتور محمد ولد ابراهيم مناضل حقوقي معروف بمواقفه الصريحة من مختلف القضايا الحقوقية المطروحة على الساحة الوطنية، أسس مع مجموعة من الأطر من مختلف المشارب و الاتجاهات قبل خمس سنوات المنظمة الموريتانية لمناهضة التطرف و لدعم الوحدة الوطنية ،  شارك بصفته عضوا في المكتب الدائم للجنة الوطنية لحقوق الانسان في العديد من الملتقيات و الورشات الوطنية، الاقليمية والدولية حول حقوق الانسان كما ساهم بصفته عضوا في اللجنة الفنية المكلفة بمتابعة تنفيذ خارطة الطريق لمكافحة الفقر و مخلفات الاسترقاق في التحسيس و التعبئة لحزمة التوصيات المنبثقة عن هذه الخارطة التي التزمت الحكومة الموريتانية  بتنفيذها بالتعاون مع المقررة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الانسان.

 للتعرف عن قرب على مواقف و آراء هذا المناضل الحقوقي حول مختلف القضايا المطروحة على الساحة أجرى موقع الشرق اليوم معه الحوار التالي :

س : في بداية هذا اللقاء حبذا لو عرفتم القارئ الكريم على جوانب من سيرتكم الذاتية ثم على أهداف منظمتكم  التي تتولون رئاستها ؟

ج : أشكر موقع الشرق اليوم على استضافتي عبر صفحته الالكترونية ،و جوابا على سؤالكم أعرف نفسي كما يلي : محمد ولد إبراهيم مواطن موريتاني من مواليد العاصمة انواكشوط  بالمستشفى الوطني يوم الإثنين 10/ 12/ 1973 أنحدر من أسرة متواضعة معروفة  من أبوين شريفين مكافحين، حيث كان أبي - أطال الله عمره - يعمل بوابا لمدرسة تكوين المعلمين استطاع من خلال وظيفته البسيطة أن ينال احترام الجميع بل و يعتبره الكثير ممن عرفوه الوالد الذي غمرهم بحنانه وعطفه ، أما والدتي - حفظها الله و رعاها - فكانت تمارس تجارة بسيطة تساعد في إعالة أبناء الأسرة.

  درست في مدرسة التطبيق ثم إعدادية البنين ثم الثانوية الوطنية ثم جامعة انواكشوط، والتحقت بمدرسة تكوين المعلمين بانواكشوط حيث تخرجت في سن مبكرة كمعلم قبل المرحلة الجامعية، و بدأت حياتي الوظيفية في ولاية تيرس زمور لسبع سنوات ثم التحقت بالمدرسة العليا للتعليم لأتخرج مفتشا مساعدا سنة 2004 ثم مفتشا رئيسيا للتعليم سنة 2012، و كنت حينها  أصغر زملائي سنا على الإطلاق ،  أكملت مؤخرا  دراساتي العليا في الجامعة اللبنانية الدولية لمدة 3 سنوات لأحصل على شهادة الماجستير في علوم التربية والقيادة بتقدير جيد سنة 2015.

 أما بخصوص المنظمة فقد جاءت نتيجة فكرة قديمة آمنت بها منذ أن بدأت التدريس في مدينة ازويرات سنة 1994 أي قبل ما يزيد على عشرين سنة حيث مكنني عملي كمعلم من الاطلاع عن كثب على واقع الفئات الهشة و المهمشة من الشعب الموريتاني و خاصة بني جلدتي الحراطين ممن  لم تتوفر لهم فرصة كتلك الفرصة التي حظيت بها أنا و أمثالي في العاصمة انواكشوط، تقوم هذه الفكرة على مبدأ مستنبط من الآية الكريمة «إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » بمعنى أن تغيير واقع التخلف والجهل و التهميش الذي يعانيه الحراطين لن يتحقق إلا بتغيير عقليات الماضي المتخلف  التي دائما  يقع أبناء هذه الشريحة ضحية لها.

و بالتي كانت جهودي مركزة حينها على رفع مستوى الوعي لدى أبناء ضحايا مخلفات الاسترقاق و إقناعهم بأنهم مواطنون متساوون مع غيرهم لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات ، و عندما أقول متساوون فأقصد بها طبعا متساوون في كل شيء لكن هذه المساواة لن تتحقق ما دامت آثار الاسترقاق قائمة.

  لكن مع مرور الوقت تطورت الأحداث بشكل متسارع وظهرت حركات و اتجاهات جديدة ذات رؤية وخطاب جديدين ليس في المضمون وحده و إنما في الشكل و الطريقة أيضا. وبدا للكثير من المراقبين أنها تجاوزت ذلك النضال "الهادئ"  الذي كان يمارسه قادة الحراطين و مثقفوهم ممن  اكتسبوا تجربة نضالية كبيرة كأعضاء في الحركات السياسية السرية و العلنية التي اكتسحت الساحة الوطنية آنذاك، و بهذه المناسبة أحيي تلك القامات العملاقة التي قادة نضال لحراطين برزانة و صبر و تحمل للمسؤولية التاريخية و أخص بالذكر الرئيس مسعود ولد بلخير و الرئيس بيجل ولد هميد و أستغرب بشدة تلك الأصوات التي ترتفع فوق صوت مثل هذين القائدين العظيمين الذين حققا بحكمتهما و حنكتهما للحراطين في الأيام الصعبة وعلى مدى العقود الماضية  ما لم و لن تحققه موجة خطاب التطرف وزرع الحقد و بث الكراهية التي يركبها الآن و بسهولة بعض من يزعمون أنهم وحدهم قادة النضال و أن من سبقوهم لم يحققوا شيئا للحراطين. إن مثل هذه المزايدات أربكت المسار النضالي للحراطين و جعلت الكثير من الناس يعتقد أن هناك حراطين أكثر "تحرطنا" من آخرين سبقوهم في الإيمان و النضال.

   هذه التطورات المتسارعة جعلتني أدخل في مراجعة شاملة و عميقة ليس للمبدأ الذي آمنت به بل  لمنهجيتي في العمل على تغيير واقع لحراطين حيث أنني صرت على قناعة تامة بأن ما يحتاجه الحراطين هو الأفعال و ليس الأقوال أي أن النضال الحقيقي و الجاد هو ذلك الذي يجعل الحراطين يعيشون بشكل ملموس و مرئي تحسنا و لو بالتدريج في واقعهم الاقتصادي و مكانتهم الاجتماعية و ثقلهم السياسي، و هو ما سيقطع ألسنة أولئك الذين يتربصون بهذا الوطن الدوائر  فقضية لحراطين على عدالتها و إنسانيتها  لا يمكن ان نقبل أن تكون في أي حال من الأحوال أداة لتهديد الوحدة الوطنية و السلم الأهلي، و هذا ما جعلني أؤسس مع مجموعة من الأطر و الشباب من مختلف المكونات الذين أتقاسم معهم نفس المبادئ و الأهداف - المنظمة الموريتانية لمناهضة التطرف و لدعم الوحدة الوطنية - استشعارا منا لخطورة الموقف و حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع و تتلخص أهداف هذه المنظمة في النقاط التالية :

نشر و توعية المواطنين حول أواصر الوحدة الوطنية.
التكوين و القيام بدورات مختصة في مجال المواطنة و محاربة التطرف بكل أشكاله.

س : قلت أن ما يحتاجه الحراطين هو الأفعال و ليس الأقوال ماذا حققت منظمتكم في هذا الصدد بعد مرور خمس سنوات على تأسيسها ؟

ج : سؤال في محله و أكبر دليل عليه موجود اليوم على الأرض لمن زار أحياء الترحيل في مدينة انواذيبو التي هي مقر منظمتنا سيلاحظ  أن معظم السكان استفادوا من برنامج وكالة التضامن لبناء أكثر من 1100 مسكن اجتماعي للأسر الضعيفة و الهشة  تنفيذا لوعد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز أثناء زيارته لنواذيبو 2012، و تتشرف منظمتنا بأنها كانت الجندي المجهول الذي قام بإحصاء شامل للأسر المستفيدة  من هذه العملية وفق معايير شفافة و عادلة، و تصوروا ما ذا سيكون عليه الأمر لو تم القيام به وفق الطرق الملتوية المعروفة حيث يتم الاحتيال على السكان و توجيهه لصالح آخرين لا تتوفر فيهم المعايير المطلوبة.

و بهذه المناسبة أشكر فخامة الرئيس على وفائه بالتزامه في الوقت و المكان المناسبين لأن هذا الانجاز سيبقى شاهدا ملموسا على اهتمام الدولة بتحسين ظروف الفئات الهشة و الضعيفة التي تشكل معظم ساكنة أحياء الترحيل.

س : يصفكم البعض بأنكم موالون للنظام و تقومون بالترويج لمواقفه من القضايا الحقوقية مقابل الحصول منه على امتيازات معينة، ما هو ردكم على ذلك ؟

ج : للأسف من السهل كيل الاتهامات للآخرين دون دليل أو برهان..و أنا أفهم جيدا سلوك التخوين و الإقصاء الذي تمارسه بعض الجهات و الجماعات ضد من لم يذعن لأفكارها و دعاياتها المغرضة، و كذلك الذين يظهرون من الولاء لهذه القضية غير ما يبطنون من العداء لكل من يسعى مخلصا لحلها، و أنا في هذا الإطار أعتبر نفسي ناشطا حقوقيا مستقلا لا أمثل النظام و لا أمثل المعارضة بل أمثل قناعتي التي تجعلني أقول الحق ولو على نفسي أي لا مانع عندي أن         أشيد بما تحقق من خطوات إيجابية في سبيل القضاء على آثار الاسترقاق ، كما لا حرج عندي في الوقت نفسه بالمطالبة بتحسين أوضاع لحراطين الاقتصادية والاجتماعية. و قد يكون الفرق بيني و بين الآخرين هو النظرة بعيدة المدى التي تثمن ما تحقق و تطالب بالمزيد و ليس النظرة الآنية التي تبنى على منطق كل شيء أو لا شيء.

  وأتحدى من هذا المنبر أي أحد يستطيع  أن يثبت أنني أتمتع بأي امتيازات و من أي نوع . مع أن الباب مفتوح أمام أمثالي للحصول عليها في الداخل و الخارج لكن الثمن واضح وهو بيع ضمائرهم و ربما أوطانهم بثمن بخس.

س : المتتبع لصفحات الفيس البوك سيلاحظ أن الكثير من الحراطين يتهمكم بالارتماء في أحضان النظام و السعي لمص دمائهم و تركيعهم لفرض إرادته عليهم ما مدى صحة ذلك ؟

ج : إن فضاءات التواصل الاجتماعي مفتوحة لكل من هب و دب لذا لا أهتم كثيرا بما يكتب فيها من أشياء غالبا ما تكون تحت أسماء مستعارة لكن كما يقول الشاعر: و إذا أتتك مذمتي من ناقص     فهي الشهادة لي بأني كامل

 و السؤال في نظري يجب أن يعاد طرحه كما يلي : من المستفيد من تسويق قضية الحراطين  ؟ هل هو محمد ولد ابراهيم الذي ظهر في الساحة منذ خمس سنوات فقط أم هم أولئك الذين تاجروا بهذه القضية في الداخل بل و وصل الأمر بهم إلى المتاجرة بها في الخارج.

 أقول بصراحة إن المتاجرة  بقضية الحراطين لن تخدم الجميع لا البائع و لا المشتري و لا البضاعة (لحراطين) بل ستكون مثل الكذبة التي تملأ مزودا في المرة الأولى و تنكشف في المرة الثانية، كما أن المتاجرة بها في الخارج لن تخدم الوطن ولا المواطن بل ستؤدي إلى أن تخرج الرمية عن سيطرة الرامي كما يقول المثل.  

س : التقيتم  مع مجموعة من الحقوقيين بالسيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أثناء زيارته مؤخرا لبلادنا، هل يمكن ان تطلعونا على فحوى هذا اللقاء  و ما هو تقييمكم لوضعية حقوق الانسان في موريتانيا ؟

 لقد كان لقاءا ايجابيا بامتياز حاولنا من خلاله إطلاع الأمين العام على وضعية حقوق الانسان في بلادنا، حيث قدمنا له شروحا وافية حول هذا الملف، مؤكدين على التطور المتسارع الملاحظ في السنوات الأخيرة في التعاطي مع هذا الملف الحساس مما كان له الأثر الايجابي على  الحريات و القوانين ذات الصلة.

 أما بخصوص تقويمنا لوضعية حقوق الانسان في بلادنا فبحكم خبرتي و متابعتي لهذا الملف أستطيع اليوم أن أؤكد لكم أنه حصلت هناك تطورات إيجابية و تقدم ملموس لا يمكن نكرانه مهما كان موقفنا و موقعنا من التعاطي مع هذه القضية، و بعبارة أخرى  يمكنني القول أن النظام الحالي تبنى سياسة الحل الجذري الذي يتطلب جهدا و وقتا بدل الاكتفاء بأنصاف الحلول التي تستهدف قشور القضية وليس جوهرها. و الدليل على ذلك أنه إلى حد الساعة قام بحزمة من الإجراءات العملية التي تصب في هذا الاتجاه فعلى سبيل المثال لا الحصر :

السماح بافتتاح مكتب للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في انواكشوط.
إنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بالصيغة الجديدة.
فتح الباب أمام جميع المقررين الخواص للأمم المتحدة بزيارة موريتانيا متى أرادوا ذلك في الوقت الذي تم رفض استقبالهم في كثير من دول العالم.
تنظيم الحملات التحسيسية على المستوى الوطني لمناهضة آثار الاسترقاق الهدف منها هو تبيين خطورة العبودية كممارسة غير انسانية على السلم الأهلي و الوحدة الوطنية.
المصادقة على خارطة الطريق لمكافحة الفقر و مخلفات الاسترقاق التي تضم 29 توصية موزعة بين الجوانب الاجتماعية  و الاقتصادية و السياسية.
تحسين و تحيين الترسانة القانونية في مجال مكافحة آثار الاسترقاق.

كل هذا من بين أمور أخرى يضيق المجال عن ذكرها يعتبر تطورا مهما لابد من الاعتراف به لكن في المقابل رغم الإرادة الصادقة التي لمسناها من هذا النظام لمعالجة هذه المسألة أعتبر أنه ثمة عوائق مازالت قائمة لا بد من مواجهتها لتأثيرها المباشر و غير المباشر على القضية  لا سيما إذا عرفنا أو اعترفنا أن الفقر و الجهل هي المخلفات الحقيقة للاسترقاق في بلادنا ، و التي أذكر منها على التحديد :

تبني سياسات اجتماعية محددة و شفافة تستهدف محاربة واستئصال المظاهر المعاصرة  لآثار الاسترقاق مثل عمالة القصر في المنازل او استخدام الأطفال من طرف ذويهم في العمل على عربات الحمير، خاصة أن بعض المنظمات الحقوقية تخلط دائما بين السبب و النتيجة في هذا المجال أي أنها تسوق للرأي العام أن عمالة القصر في المنازل سبب من أسباب العبودية بينما هو في الحقيقة نتيجة  لواقع الفقر والحاجة للعمل وبالتالي تؤدي دعاياتها المغرضة إلى تحريضهم على التخلي عن عملهم و بالتالي قطع أرزاق هؤلاء المحتاجين دون تقديم بديل يسمن أو يغني من جوع. و للتذكير فإن هناك قوانين تجرم هذه الظاهرة لكن الدولة محرجة أحيانا من تطبيقها ففي كلتا الحالتين التطبيق أو عدمه تقيم هذه المنظمات الدنيا و لا تقعدها بسبب أن المستهدف هو المستفيد من تطبيق القانون.
غياب المدرسة الجمهورية و أعني بذلك ضرورة تركيز الدولة في سياستها التعليمية على إعادة  تمكين المدرسة الجمهورية من أداء دورها الرئيسي في ترسيخ الوحدة الوطنية و ما يتطلبه ذلك من الحد من المدارس غير المكتملة التي هي سبب الهدر و الفشل التربوي في بلادنا خاصة في المناطق الهشة و المهمشة (آدوابه) و بصفتي من أهل الاختصاص في مجال التربية و التعليم أورد لكم المثال الصارخ التالي : أثناء زياراتي الميدانية لبعض مدارس آدوابه غير المكتملة في معظم الحالات ألاحظ تسربا للتلاميذ بسبب عدم قدرتهم على المتابعة في القسم الموالي نظرا لأن عدد الناجحين إليه لا يسمح بافتتاح قسم جديد لهم و هو ما يضعهم أمام احتمالين إما الالتحاق بأقرب مدرسة و هو مستحيل بسبب ضعف إمكانيات آبائهم أو الانقطاع عن الدراسة و هو المصير المحتوم لمعظمهم.

و عليه فإني أؤكد لكم ضرورة تبني الدولة بشكل حاسم لا رجعة فيه لسياسية تجميع المدارس غير المكتملة على المستوى الوطني و خاصة  تلك الموجودة في مناطق آدوابه وما يتطلبه ذلك من توفير إجراءات مصاحبة كالسكن الداخلي و الكفالة المدرسية و فضاءات ثقافية و رياضية تسهم بلا شك في صهر مختلف التلاميذ القادمين من بيئات متنوعة في بوتقة الوحدة الوطنية ولن ينجح هذا الخيار إلا إذا تم تنفيذه بعيدا عن المحاباة و التمييع الذين هما سبب فشل كل الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال.

و لا تفوتني الفرصة أن أبدي تحفظي الشديد لتبني الوزارة لمقاربة الامتياز في التعليم العمومي حيث تم رصد إمكانيات هائلة لمؤسسات تعليمية تستقطب عدد محدودا من التلاميذ المتميزين في حين أن الغالبية العظمى من تلاميذ الجمهورية تبقى مكدسة في مؤسسات أخرى تدرس نفس البرامج. وعليه لا بد من إعادة النظر في هذه الخطوة السابقة لأوانها في نظري لأن التزام الدولة بتوفير خدمة التعليم يفرض عليها التعامل مع إكراهات الكم بالنسبة لأعداد التلاميذ مما يعني وجوب التركيز على تحسين الكيف و النوع بالنسبة للمدرسين و المؤطرين مما سيؤدي حتما لتحقيق الامتياز بنسبة معتبرة دون اللجوء لمثل هذه السياسات التي تشتم منها رائحة التمييز غير الايجابي في مجتمع كمجتمعنا أحوج ما يكون لكل ما يرسخ تنوعه و وحدته الوطنية.

س : تشهد الساحة جدالا ساخنا حول أصول الحراطين ما هو موقفكم من هذا الجدل ؟

ج : سؤال في محله مع إني أسجل في البداية أن هذا الجدال يشبه في بعض منطلقاته و مآلاته الجدال البيزنطي المشهور : أيهما يسبق الآخر البيضة أم الدجاجة ؟! .. موقفي واضح منذ البداية و كررته مرارا عبر وسائل الإعلام الوطنية والدولية. 

 إن موريتانيا دولة تتميز بميزة فريدة من نوعها هي مصدر قوتها و ربما ضعفها في نفس الوقت لا قدر الله ، ألا وهي التنوع العرقي و الثقافي، و التعامل مع هذه الميزة سلبا أو إيجابا في نظري هو مؤشر واضح لمدى وطنية و إخلاص كل موريتاني أو من يدعي أنه كذلك، بمعنى أن من يستثمر هذه الميزة لتقوية موريتانيا ليس كمن يستغلها لإضعافها.

 لقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الحركات و الأصوات التي تنادي بإعادة فرز مكونات الشعب الموريتاني على أساس اللون فقط و أخرى تحاول فرض مكون ثالث يسمى " شعب الحراطين العظيم"، و هنا أقول بشكل واضح لا لبس فيه أن الشعب الموريتاني يتكون من مكونتين لاثالث لهما هما: العرب و الزنوج، فالعرب هم البيظان و الحراطين و الزنوج هم البولار و السوننكي و الوولف، فإذا كان القاسم المشترك بين المكون الزنجي هو اللون وحده فإن القاسم المشترك بين المكون العربي هو اللغة و التقاليد و العادات في حين يبقى الدين الاسلامي الحنيف هو القاسم المشترك الأكبر لنا جميعا يقول الله تبارك و تعالى في محكم كتابه العزيز : « و من آياته خلق السموات والأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين» صدق الله العظيم - إن هذا التنوع في اللون واللغة أعتبره سنة الله في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا.

س : ما علاقتك بعضو حركة إيرا محمد ولد الكوري  الموجود حاليا بالعاصمة السويسرية جنيف و ما ردك على ما جاء في مقاله من اتهامك باستعباده و تعذيبه و سجنه وعلاقتك بالمخابرات ؟

ج: لعل المثل القائل : إتق شر من أحسنت إليه  يلخص الحكاية كلها، لمن لا يعرف محمد ولد الكوري الملقب حمدي فهو ابن أختي و والده الكوري الملقب بانجوكو معروف كمصور فوتغرافي في الوكالة الموريتانية للأنباء. لم يكمل دراسته الجامعية رغم وصوله السنة الرابعة و عاش مرارة البحث عن فرصة عمل دون جدوى و عرف بميوله و نشاطه داخل حركة إيرا قبل مغادرته إلى جنيف بتسهيل من إيرا ، ولقد فوجئت تماما مثل غيري من ما جاء في رسالته الشهيرة التي أنا على يقين أنها من تحرير و كتابة أقلام حركة إيرا، فالاتهامات الواردة فيها قد طبخت في مراجن إيرا بامتياز! .. كيف يمكن أن أقوم بتعبيد أو تعذيب أي إنسان و خاصة ابن أختي؟! و الخال والد كما يقال..لكن ما لم يفاجئني هو التوقيت الذي اختاره لتوجيه هذه الطعنة الغادرة لأهله و لوطنه .. و هو أسلوب دأب للأسف الشديد عليه طالبو اللجوء للحصول على الأوراق بأي ثمن حتى ولو كان تشويه صورة وطنهم في الخارج.

و أؤكد لك وعلى مسؤوليتي أن الحكومة الموريتانية لم تدفع عنه تذكرة السفر كما ادعى هو في مقاله، أضف إلى ذلك أنني مستهدف بحكم مواقفي التي لا تزعج فقط الأعداء بل و من حسبتهم من رفاق القضية.

 إن مواقفي داخل المنظمة لا ترتبط بنظام أو قبيلة أو شريحة بقدر ما ترتبط بالوطن، مع أن المنظمة التي أترأسها تضم من بين أعضائها مختلف الانتماءات الفكرية و السياسية و الاجتماعية  و كذلك المستقلين و القاسم المشترك بينهم أنهم يتبنون نفس الموقف من مناهضة التطرف في جميع الاتجاهات و المتطرفين من جميع المكونات سبيلا لدعم و ترسيخ الوحدة الوطنية.

س : استطاعت حركة إيرا بزعامة السيد بيرام ولد الداه ولد أعبيدي تحقيق الكثير من الانتصارات و حصد العديد من الجوائز على المستوى العالمي رغم ما تصفونها به من تطرف و تهديد للوحدة الوطنية، ما رأيكم في ذلك؟

ج : إن المتتبع للانتشار الداخلى السريع و الاحتضان الخارجي المثير للشك لهذه الحركة في وقت وجيز سيخرج باستنتاج واحد لا يقبل الخطأ هو أن هذه الحركة تديرها أياد خبيثة في الظلام لا تريد الخير لموريتانيا سواء أدرك أعضاؤها ذلك أم لم يدركوا ، وعلى حد قول الشاعر : إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة    و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم 

  إن منظمتنا نبهت في وقت مبكر إلى خطورة هذه الحركة المشبوهة في أهدافها و توجهاتها و لحسن الحظ بدأت هذه الخيوط تنكشف يوما بعد يوما و على لسان أبرز أعضاء هذه الحركة المنشقين عنها و نحن متأكدون أن حقيقتها ستظهر عاجلا أو آجلا كمثيلاتها.

  أما بخصوص ما حصدته من جوائز فلا أستغرب ذلك بل يؤكد لدي فرضية دعم دوائر خارجية معادية لموريتانيا لهذه الحركة إذ كيف يحصل السيد بيرام على جائزة بمستوى جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان بهذه السرعة والسهولة في حين يوجد مناضلون حقيقيون لقضايا عادلة يتعرضون لأقسى المضايقات والتعذيب في السجون لم ينالوا هذه الجائزة. فمثلا لم تمنح هذه الجائزة منذ تأسيسها 1966 لأي مناضل فلسطيني مع العلم أن لا توجد قضية في تاريخنا المعاصر أكثر عدالة منها.

  وهنا أتساءل عن مصير ريع هذه الجوائز و هو يقدر بمئات الملايين..إننا نسمع من حين لآخر امتعاض بعض أعضاء حركة إيرا من عدم شفافية تسيير الموا رد المالية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين تصرف هذه الأموال؟ هل تم بناء مدرسة واحدة أو تجهيز مستوصف أو حفر نقطة مياه أو ترميم سد أو استصلاح أراض زراعية لصالح أبناء الأرقاء السابقين في آدوابه مثلا. وهذا دليل آخر على أن حركة إيرا أشبه بظاهرة صوتية نسمع لها جعجعة بدون طحين أكثر مما هي حراك حقوقي يهدف إلى  تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للحراطين.

س : هل من كلمة أخيرة توجهها للرأي العام ؟

ج : أشكر مرة أخري موقعكم على إتاحة هذه الفرصة لإنارة الرأي العام حول بعض المواضيع المهمة التي أرجو أن أكون قد وفقت في الرد عليها ، أقول في الختام أنه لا يحس بنعمة الأمن و الاستقرار و السلم الأهلي إلا فاقدها و الدليل على ذلك ما نشاهده يوميا في محيطنا العربي و الإفريقي عبر نشرات الأخبار المأساوية عن العراق و سوريا و اليمن و ليبيا وحتى في بعض دول الجوار كمالي و ساحل العاج ...إلخ.و بالتالي علينا أن نعيش جميعا كأخوة أو نموت كأغبياء.

اجرى الحوار ابراهيم ولد خطري