حفيد لحراطين:يفك طلاسيم معانات الأرقاء في موريتانيا/أم لخير و العقيد.نموذج لإعتداء الجنسي

أحد, 2014-10-12 14:43

عُبيدو ولد أميجن، هذا اسم كاتب وناشط حقوقي موريتاني، لكنه ليس مثل أي ناشط تأتي أهميته من دفاعه عن الحقوق وحسب، بل كونه أحد الحراطين -والحراطون مصطلح يطلق في موريتانيا على المواطنين الذين كان أجدادهم عبيدا- ولا يجد غضاضة في التصريح بأنه حفيد العبيد،

بل ويفتخر أن أجداده وآباءه كانوا من العبيد وحصلوا على حريتهم، ويزداد فخره بأنه يدافع الآن عن حقوق الحراطين، ويكافح من أجل أن ينال كل من لا يزال في الرق حريته.

ولد أميجن الذي التقته “العرب” في رام الله مؤخرا، على هامش مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب، كشف في حواره معها، أن العبودية ما زالت قائمة في موريتانيا، وهو السر الذي تسعى الحكومة لإخفائه، وتصدر التشريعات لمكافحته ظاهريا فقط، لكنها فعليا تستهدف تجميل الوجه دوليا، مؤكدا أنه حتى اليوم ما زال هناك عبيد وإماء يعاملون على أنهم ممتلكات يبيعهم السيد أو يهبهم لمن شاء، وقت ما شاء.

عن عائلته، قال ولد أميجن: “أنحدر من أسرة متواضعة من شريحة الحراطين في موريتانيا، وهي أسر تعيش تحت وطأة الرق، والعبودية، وتعاني من الفقر والجهل والنظرة الدونية، وقد أثّر ذلك علينا في ماضينا وحاضرنا، في ظل ثقافة سائدة تقسم البشر طبقات اجتماعية، ما بين أسياد وعبيد”.

وأضاف: “تجربتي الشخصية متواضعة، فأنا انتمي لأسرة بدوية استفاق أبناؤها في يوم من الأيام على حقيقة أنهم عبيد سابقون، مر أجدادهم وآباؤهم بتجربة الرق. لكن كان لعائلتي حظ التحرر مبكراً، فتحررت أسرتي عام 1905، وشاءت الأقدار أن نشبت الحرب بين القبيلة التي تستعبد أسرتي، وقبيلة أخرى، فقاتل جدي وأبلى بلاء حسنا حتى استشهد، فقررت القبيلة تكريمه بعتق أسرته، وانتقلنا للعيش في نواكشوط، وجدي كان حرا بينما جدتي كانت أمة وأبناء “العبدة” جميعهم عبيد حتى ولو كان الأب حرا”.

حول آليات العتق، أوضح ولد أميجن لـ”العرب”: “هناك عدة آليات تم بها العتق، إما بقرار من السيد، أو بالهروب منه، وفي ظل الاستعمار الفرنسي، وجدت آلية لفك الارتباط بين الأسياد والعبيد، فعندما كان العبد يهرب من سيده، كان الفرنسيون يوفرون له الحماية، حتى وجدت ولايات السيطرة الفعلية فيها للحراطين من العبيد المحررين، وكانوا يوفرون الحماية لمن يفر إليهم، وساعد الاستعمار الفرنسي على التحرر، رغم أن الاتفاقيات بين القبائل والاحتلال كانت تنص على أن يترك الاستعمار للأسياد عبيدهم”.

عبيد وأسياد

أضاف ولد أميجن: “مع التحرر من الاستعمار عام 1961 وتكوّن الدولة ووجود دستور نص على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، لكنها بقيت في الشكل القانوني والنظري فقط، لكن في القبائل ظلت العبودية قائمة وحتى الآن في العام 2014 يوجد عبيد وأسياد”.

وحول الموقف القانوني منذ استقلال الدولة الموريتانية في الستينات قال: “كانت هناك روح خجولة بين القائمين على الإدارة الأولى للبلاد بقيادة المختار ولد داده، في تحقيق المساواة بين السيد وعبده، ومرت عدة قرارات بين الولاة، فكانت الحكومة تقف لجوار من يأتي بشكوى سيده، ثم جاءت مرحلة ثانية في 1976 وشهدت فيها البلاد موجة من الجفاف شديدة القسوة، أصبح كثير من الأسياد يفرون من العبيد، تحت وطأة الفقر، وتخفف أغلب السادة من عبيدهم، لعجزهم عن تحمل نفقات إطعامهم وإعاشتهم فتركوهم يفرون بحياتهم، وفرت حينها أعداد كبيرة من الحراطين إلى العاصمة نواكشوط، ونشأت أحياء تسمى بـ”الكابات” وهي أحياء عشوائية وبدأ العبيد المحررون ينشئون حركات تدعم التحرر والمشاركة المجتمعية لكن بقيت العبودية قائمة”.

وعن آخر حالة بيع علني في الأسواق للعبيد، قال ولد أميجن: “رغم الدستور والقوانين التي تنظر لجميع الموريتانيين على أنهم مواطنون، فإن رجلا موريتانيا قام ببيع أمة اسمها مباركة في السوق بشكل علني عام 1978، فكانت آخر بيع علني، لكن ظلت عملية البيع والشراء قائمة بشكل سري حتى اليوم”.

وعن أسباب بقاء بشر خاضعين للرق رغم حماية القانون والدولة لهم، أوضح أميجن: “توجد عملية جمود فقهي، وعملية غسل أدمغة مستغلين انتشار حالة الجهل، وحتى الآن هناك رق وعبيد في موريتانيا عموما، ليس في البادية فقط، لكن في العاصمة نواكشوط أيضاً، فمن يدعون الحديث باسم الدين يقولون للعبيد، أن الله كتب عليكم العبودية، وعليكم طاعة الأسياد، وأن الخروج على طاعتهم أو الهرب منهم، يعرضكم لعقاب إلهي، ويتم استغلال بساطتهم وطيبتهم، فالفكر الديني الجامد يرسخ للرق وخضوع العبيد لأسيادهم، ومنظمات حقوق الإنسان تكشف كل يوم عن بقاء عبيد في موريتانيا وللأسف الحكومة تضيّق على تلك المنظمات وتلاحقها، وتقوم باستقطاب أعضائها ومنحهم مناصب حكومية في أغلب الأحيان، لمنعهم من كشف تلك الحقيقة”.

بين السالك ومباركة

روى ولد أميجن، معايشة أجراها عبر لقاءات مع عدد ممن يعانون من الرق حتى بداية العام الجاري قائلاً: “قابلت أحد العبيد كان يبلغ من العمر 60 عاما، وقد تركته سيدته لبلوغه من الكبر عتيا ولعدم قدرته على العمل، وروى لي هذا الشخص واسمه السالك قصته، فقال: “لما كان عمري 14 عاماً، حاولت الفرار من سيدتي، لكنها في ذلك الوقت أقنعتني بأن من يحاول الهرب، يقابله خلف الربوة التي كنا نعيش خلفها في البادية، وحش كبير أرسله الله لالتهام كل عبد أو أمة يحاول الهرب، وفي يوم من الأيام حاولت الهرب، بعد أن ضربني سادتي بشدة، وبعد سير ليلة ويومين في الصحراء، وعندما اقتربت من المدينة، رأيت أشياء ضخمة كبيرة، فانتابني الرعب، وأيقنت من صدق سيدتي، وأني هالك لا محالة ما لم ينقذني الله وتغفر لي سيدتي محاولتي الهرب، فعدت إلى الوراء مسرعاً قاطعا نفس المسافة على قدمي، لتفاجأ سيدتي بعودتي طالباً منها الصفح، والمغفرة، وواصلت في خدمتها حتى أطلقت سراحي فيما بعد وأعتقتني بعد أن كبرت، وانتقلت هي للعيش في المدينة، وبعد تلك السنوات من العبودية، وإقامتي بين الحراطين بالمدينة اكتشفت جهلي، فالوحوش التي ارتعدت منها في رحلة هربي، كانت آلات وسيارات نقل كبيرة تعبد الطريق في ذلك الوقت”.
أضاف ولد أميجن (ضاحكاً): “قابلت السالك وقابلت سيدته أيضاً، وهي الآن سيدة هرمة تجاوز عمرها التسعين عاماً، لكنها اليوم تابت وأعلنت لي أنها نادمة على سنوات استعبادها للبشر، وتطلب من الله المغفرة، لكن غيرها من الموريتانيين لم يدركوا بعد أن استعبادهم للبشر جريمة بحكم الشرع والقانون”.

وحول الانتهاكات التي يتعرض لها المستعبدون من الموريتانيين قال ولد أميجن: “التقيت بفتاة اسمها “مباركة” عمرها الآن 26 عاماً، روت لي قصتها وتعرضت للاغتصاب من سيدها، وابن سيدها والسائق الخاص بهم، وأنجبت من الثلاثة”.

وأوضح ولد أميجن أن الفتاة أشارت إلى أن والدتها مرضت فقرر سادتها تركها تذهب للمدينة لتعيش وسط الحراطين، لكنهم اشترطوا أن تترك ابنتها، وقالت لي “مباركة”: “تركتني أمي وأنا صغيرة، وعملت في رعي الإبل والأغنام المملوكة لسيدي، وفي يوم أخذني سيدي للبادية وطلب مني خلع ملابسي واغتصبني، وتكرر ذلك لمرات حتى حملت، وكبر الطفل في بطني، وفي يوم الولادة كنت أرعى الأغنام، فوضعت طفلي الأول في البادية، ولم يكن معي أحد”.

أضاف أميجن: “عادت “مباركة” من البادية بغنمها وطفل بين يديها، مثلها مثل أي عنزة تلد لا فرق، لتتعرض فيما بعد وفق روايتها لاغتصاب من ابن سيدها، وهو شقيق طفلها الأول، وحملت منه فقامت سيدتها بإبعادها إلى مكان آخر ووهبتها لأحد أقاربها من القبيلة، وفي الطريق خلال نقلها اغتصبها سائق الأسرة، وتحررت عندما هربت للمدينة وساعدتها منظمات تكافح الرق، ويواجه أطفال العبيد مشكلة أنهم ليس لديهم أوراق ثبوتية ولا توجد لديهم أي شهادات ميلاد تثبت أسماء الآباء فهم مجهولو النسب”.

أمّ الخير والعقيد

استطرد أميجن في كلامه مع “العرب” قائلا: “هناك حالات تستعبدها قيادات نافذة بالدولة مثل “أم الخير” التي كانت أمة لدى عقيد سابق في الجيش الموريتاني، وكانت تتعرض لاعتداءات جنسية متكررة منه ومن نجله، وعندما هربت ولجأت بالشكوى لرجال الشرطة، فلم يفعّلوا القانون لحمايتها، بسبب نفوذ سيدها، فلجأت إلى جمعية مكافحة العبودية، وكتبنا عن حالتها وتصاعد الأمر في وسائل الإعلام فتم توفير الحماية لها وتحريرها من العبودية.

وحول مواجهة الفكر الديني للعبودية قال عبُيدو ولد أميجن: “هناك من الفقهاء الحقيقيين من يمتلك الجرأة بمواجهة الفكر المضلل، ويجاهرون بأن العبودية ليست من الإسلام ومن يقول بذلك يفتري على الدين، والإسلام جاء ليحرر العبيد، وبعض القبائل اقتنعت بهذه الآراء الفقهية، والبعض الآخر يؤمن بحق أسر واستعباد أبناء قبائل أخرى في أي صراع بينهم”.

عن الأثر السياسي مع تزايد نسب الحراطين أكد أميجن: “نحن الحراطون اليوم ننظم صفوفنا، ونشارك في الحياة السياسية ونشكل لوبيا ضاغطا لتفعيل القوانين التي تجرم الرق، وتبلغ نسبتنا من إجمالي مواطني موريتانيا 55 بالمئة، وأصبح أي حزب أو قوة سياسية تسعى لكسب أصواتنا، ومن الحراطين الآن وزراء في الحكومة”، مضيفا: “وتحت هذه الضغوط ولأول مرة في التاريخ الموريتاني يصدر حكم ضد اثنين من الأسياد بالسجن لعامين، لاستمرارهما في استعباد مواطنين، لكن معظم من يحرر بحقهم محاضر لا توقع عليهم عقوبات”.

اتفاقيات على ورق

قال أميجن: “إن حكومات موريتانيا المتعاقبة، وقعت اتفاقيات مكافحة العبودية، وأصدرت القوانين فقط لتجميل صورتها، كون المنظمات الأوروبية المانحة تشترط مثل تلك القوانين، فهي مجرد خداع للغرب للحصول على المنح والقروض، أي أنها تجارة، والدليل على ذلك أن القانون لا ينفذ، ووكيل الجمهورية وهو النائب العام، يسعي في أغلب القضايا لإجراء مصالحات وحفظ القضايا، وعدم تحريكها، في محاباة واضحة لطبقة اجتماعية على حساب الحراطين، كما أنه ليس من حق العبيد المحررين امتلاك أرض، والحكومة لا توفر فرص عمل لأي من المحررين أو مصدر دخل أو سكن، فيجد المحرر نفسه مشردا في الشارع، ويكون أغلبهم أمام خيارين إما الانحراف أو العودة لأسيادهم.
وهناك سيدة ضغطت المنظمات لمنحها حريتها، وعندما عاشت مشردة بلا دخل أو مأوى عادت لأسيادها، فقاموا بإشهاد القرية على أنها عادت بإرادتها، واستخدموا تجربتها في الضغط على غيرها من العبيد، وتحذيرهم من السعي للتحرر”.

وصف أميجن العبودية بأنها: “سر موريتانيا الدفين، والسوس الذي ينخر في نسيج المجتمع، محذراً من أن استمرار تلك المشكلة دون حلول فعلية جذرية قد يجر البلاد إلى صراع مجتمعي يضر بمستقبل الوطن ولا يحمد عقباه، فلا ينبغي أن يوجد مجتمع في العام 2014 ما زال يقسم المواطنين على أساس لون الجلد بين أسياد وعبيد”.

وأكد ولد أميجن أن دفاعه عن حق العبيد في الحرية عرضه لمضايقات وملاحقات من السلطة في عمله، وسبق اعتقاله وسجنه لأشهر، وأطلق سراحه وزملاءه مع تصاعد التظاهرات وتواصلها لثلاثة أشهر للمطالبة بإطلاق سراح النشطاء.

نقلا عن العرب: أيمن عبدالمجيد