إبداعات الترحال !

أربعاء, 2015-12-16 17:16

من أجمل ما أهدانا عالم مارك هو الاحتفاظ بالارشيف الذي نسجل فيه مواقف وآراء من وقائع وأمور عامة حتى لا تتم شخصنة كل رأي، وتأطيره في ثقافة أهل لخيام الخ

في ابريل 2014 نشرت هذه التدوينة: "تأتي مشكلة تغيير المواقف السياسية أساسا من التناقض السريع والفج، ومن سرعة الانقلاب وموسميته ونمط الإخراج، مما يفتح المجال للتأويل أو يكشف حقيقة هذه المواقف".

وفي مايو نفس العام نشرت: "ممارستنا للشأن العام وتطرقنا للمواقف فيه يعني بصورة قطعية وتلقائية اتفاقنا مع البعض واختلافنا مع البعض الآخر، وتغيير المواقف والمواقع يعني تغيير المختلف معه إلى متفق معه والعكس صحيح، ومن اتفق معنا نتيجة موقف أو رأي اختلف معنا إن تبنينا ضده .. 
من غير المنصف أن يطالب من يبدي رأيه في الشأن العام كل لحظة ويمارس حقه الطبيعي في النقد والاختلاف مع الآخرين في كل مواقفهم بعدم القيام بنفس الفعل، أو يغضب إن مارسوا هم ذلك الحق تجاهه ..
نحن الآن مضطرون ـ مع الأسف ـ للتذكير أن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية رغم أنها اسطوانة تقليدية جدا ومشروخة جدا !!"

اليوم أتذكر هذا الارشيف بخصوص النقاش الدائر حول تقدم النائب السابق يعقوب ولد امين لترخيص حزب سياسي، إلى الآن لا يمكن الحكم على هذا الحزب إلا من خلال ماضي من يتزعمه، وهو ماض نضالي بامتياز، وإن كانت الظروف والآلية التي تمت إلى الآن تثير الكثير من الريبة في تغيير بوصلة الرجل ومن يواكبونه في برنامجه، ومن المؤشرات على ذلك:

ـ كون التكتل الآن يمثل حربة من يقفون ضد أجندة الجنرال عزيز، وضد حوار قد يخدع المعارضة كما تم خداعها في داكار، وليس استهداف النظام للتكتل وبنيته بالأمر المخفي، بل وللمعارضة عموما

ـ أن يعقوب كان يمثل صقرا من صقور المعارضة والتكتل خصوصا، وعرف بهجومه الحاد والجريء ومداخلاته القوية المدعومة بالمعلومات، ضد النظام، بما في ذلك مواقف صريحة وجريئة ضد عزيز شخصيا، وتغير وجهته أو طرحه دون سبب جذري لا تسهل استصاغته

ـ بعض المعلومات التي سربت قبل فترة وخاصة أيام الحوار الأخير عن بداية انسحاب أهل امين من التكتل، مع بعض القيادات الأخرى إلى وجهة قريبة من النظام، وهذا يمكن التأكد منه بعد معرفة توجه الحزب الجديد

ورغم كل ذلك يبقى الترحال السياسي في البلد هو السمة السائدة مع الأسف، لكن يكون هذا الترحال أكثر سلبية حين يحمل تناقضا صريحا مع مسار وتاريخ من يقومون به، وخاصة إن لم تجد مستجدات تبرر ذلك، فهم المتغير وليس النظام أو الواقع، وهنا لم نعرف بعد هل المثال مطابق أم لا.

ففي حالة تبنى يعقوب وحزبه طرحا معارضا أكثر راديكالية من التكتل مثلا أو يوازيه يمكن فهم الأمر انه تمرد على مسار الحزب او بنيته أو اجراءاته الخ، وقد حدث ذلك مع كثيرين من بينهم نواب سابقون دخلوا التكتل قادمين من أحزاب معارضة مثل عبد الرحمن ولد ميني مثلا، كما حصل مع آخرين شكلوا أحزابا معارضة مثل "تقدم" وكثير من قيادات "تواصل".
أما إن كان الحزب مواليا أم نصف_موالي فإن الأمر سيصبح أقرب إلى طرح وزير الاعلام الحالي والنائب محمد ولد بابانا وهو ما يتماشى مع مسار الترحال التقليدي، أي إلى وجهة المخزن، وهذا سيعتبر انتحارا لشاب متألق مثل يعقوب في بداية مشواره السياسي.

إن أكثر ما يمكن أن يقال مع أبعد التفاؤل وحسن النية بالرجل أنه لم يختر التوقيت المناسب للانسحاب عن حزبه، ولا الآلية المناسبة فالأحزاب المشتتة وتكاثرها آخر ما ينقص البلد، وهنا استشكال آخر يمكن طرحه في ظل عدم اعلان يعقوب الاستقالة من التكتل، ويتعلق بمصير عضويته في التكتل؟ ولا يستغرب هذا التساؤل في دولة ترشح فيها رئيس حزب صغير للبلديات ضمن لوائح الحزب الحاكم وهو الآن عمدة، أظنه الاستاذ عبد الباقي!

إذا كانت وجهة يعقوب النظام فهي ضربة قاسية للمعارضة بل ولسمعة النضال عموما، وإن كانت وجهته المعارضة في كيان جديد فهو ترجمة أخرى للتشرذم المميت الذي تعاني منه المعارضة، وللطموحات الشخصية لقياداتها التي لا يرضى منها الكثير بأقل من رئاسة حزب ولو كان شخصيا أو جهويا أو عائليا أو عرقيا أو مجهريا.