
قصتي مع التدريس هي قصة حب ! أحببت التدريس لانني احب الفلسفة و التفكير المنطقي و الكلام المتوازن ..ثم اصبح التدريس في السنوات الأخيرة جزء من نضالي ضد تهميش لحراطين و إقصائهم ..قصتي مع التدريس طويلة = 27 سنة مضت !
درست في عدة مدن موريتانية كيفة (1987 ـ 1989) روصو (1989 ـ 1991) ألاك (1991 ـ 1993) بوكي (1993 ـ 2001) و ثانوية الميناء بانواكشوط ( 2001 ـ 2014) نعم درست في الاقسام لمدة 27 سنة لم اتخلف إلا لظروف قاهرة و لم أقف امام تلامذتي إلا و انا جاهز لتقديم درسي .. درُست الفلسفة بالعربية و بالفرنسية ... و ترجمت الكثير من النصوص من و إلى الفرنسية... لم يعلق راتبي إلا بسبب إضراب شرعي أو تعسف من الإدارة بالنظر إلى مواقفي المعروفة و التي لا تتزعزع لأنها عقيدة لدي !
لم أحصل طيلة هذه الفترة على ترقية و لا تشجيع و لا حتى ذكر، ناهيك عن شهادات و تثمين التلاميذ لجهودي و هذا شيء اعتز به .. أحس بالخجل و الإعتزاز عندما أدخل قاعة التصحيح ( تصحيح الباكالوريا) فأجد أكثر من عشرة أساتذة للفسفة درستهم في القسم النهائي ..دخل علي مفتش فلسفة يريد تفتيشي و هو تلميذ لي درسته .. حققت الكثير من المكاسب المادية ـ رغم أنها لم تكن يوما هجرتي ..بفضل معرفتي باللغة الإنجليزية حيث كنت أعمل في العطلة الدراسية مع هيئة السلام الأمريكية قبل ان يطردها الجنرال لكي يحبس عنا رزقا ساقه الله إلينا !
فكرت في أن استقيل من المهنة حتى لا أتحمل مع زملائي مسؤولية التواطؤ مع الجنرال و حاشيته و مقربيه اللعب بمستقبل أبناء موريتانيا ..فنحن في الميدان نعرف أن لا إرادة لهذا النظام في إصلاح التعليم بل العكس الإرادة السياسية في ما يبدو تتوجه إلى إفساده و هو المشروع الذي بدأه أحمد ولد باهية بتوجيهات سامية و هاهو الوزير "الأنيق" الحالي يتولى مهمة القضاء على الآمال ...التعليم اليوم يمثل أكبر تهديد للوحدة الوطنية ..التعليم اليوم عنصري ..التعليم اليوم فئوي .. التعليم العام لابناء لحراطين فقط و إذا رايت بياضا هناك فهو امعلم ( هو إذن للحراطين ولمعلمين) أما الخاص فللبيظان ولكور اي الناس الذين استفادوا من الدولة !
فكرت منذ داس علينا النذل المسمى ولد باهية بأقدامه و عاقبنا بقطع رواتبنا لشهرين متتاليين لأننا مارسنا حقنا في الإضراب لتنمبيه من له قلب على وضعيتنا المزرية ..فكرت مليا في الإستقالة ..لكن منعتني التزاماتي في البنك حيث يعيش كل منا بدين بنكي ..فلم ارد أن يسجل في التاريخ أنني لم افي بالتزام !
و اليوم يعود إلي نفس التفكير مع أن القيد مازال قائم !
لقد قررت أن لا أواصل التواطؤ مع مخربي التعليم مع اعداء الوطن و أعداء الوحدة الوطنية و أعداء الله ! لقد قررت أن أغادر الأقسام لسببين :
أولا : التدريس أصبح مهزلة و العمل فيه تواطؤ لا يغتفر و هو منكر قررت تغييره بلساني، كتبت عدة مقالات حول حالة التعليم و قدمت آراء ..في السنة الماضية درست بكل جدية كعادتي و نجح لي 7 طلاب من أصل 120 فخاب أملي نهائيا و أحسست أن جهودي ضائعة و " أفعال العقلاء منزهة عن العبث "
ثانيا: لم اعد قادرا جسميا على التدريس كما كنت ..فقد انهكني الزمن و قد قاربت الخمسين ولم يعد بإمكاني القيام بما كنت اقوم به
إذا وجدت آذانا صاغية في الوزارة و أرادوا توظيفي في إحدى المصالح او الإدارات فسوف اقدم لهم النصح و التوجيه حسب الطلب ! و إلا فسوف يفك قيدي من البنك فريبا و عندها سأستقيل علنا و أريح ضميري من المشاركة في مهزلة مصيرية
أريد من هذا المنبر ان احيي تلامذتي الأوفياء و أتمنى لهم كل الخير و أنصحهم بالعمل على أن تكون السنة القادمة سنة بيضاء إلى أن تتوقف المهزلة و توجد غرادة جادة لإصلاح التعليم ..فالدولة غنية لكن إرادة إصلاح التعليم مفقودة تماما و لا أدل على ذلك من غسناد المهمة لوزير لا علاقة له بالقطاع و لا يعرف من اين تؤكل الكتف ...إذا ضحينا كلنا بسنة لمصلحة الأجيال فسوف نكون مجاهدين في سبيل الله ..كما احيي زملائي الاساتذة و ادعوهم غلى التفكير في استقالة جماعية لكل الاساتذة معا لتوجيه رسالة مشفرة إلى الساسة في هذا البلد و إلى الجيش في أن هنالك من له ضمير في هذا الوطن .
نقلا من صفحة الأستاذ و نائب رئيس حركة" إيرا" إبراهيم ولد بلال رمظان