رئيس حزب حاكم .. ياكل الطعام ويمشي في الأسواق / جعفر محمود

سبت, 2015-06-27 11:47

ليس غريبا وليس أمرا خارقا أن يجلس رئيس حزب معارض بين بؤساء بلده ويستمع لهمومهم .. وليست بالحالة الشاذة في الوطن العربي على العكس الأمر "موضة سياسية" يحرص كل زعماء المعارضة في الوطن العربي على مواكباتها وتزيين جدرانيات أحزابهم بصور لقادتهم مع الفقراء ومن طحنتهم عجلة الزمن الرديء . لكن الغريب والمخالف لعرف الناس السياسي ان يتنازل رئيس حزب حاكم في الوطن العربي ويجلس بين البؤساء والبسطاء ويستمع لهم عن قرب ، رؤساء الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي ليسوا بشرا كباقي البشر، إنهم "أنصاف آلهة" مقدسة لاتنزل للناس ولايراها الناس إلا في مواسم التعبد الكبرى .. ومن عايش المشهد السياسي في العقود الماضية في الوطن العربي لاشك سمع عن "صفوت الشريف" وإخوته المتناثرين "أربابا"صغارا في كل دولة عربية . هذا المشهد هو السائد حتى عندنا على المستوى الوطني، فكل رؤساء الأحزاب الحاكمة الذين عرفناهم لايختلفون كثيرا عن "صفوت الشريف" كل زعيم منهم إمبراطور صغير حتى لو كانت مؤهلاته السياسية والثقافية والإجتماعية والسياسية لاتؤهله لمرتبة زعيم .   هذا القانون الفيزيائي الصارم ظل يحكم هذه العلاقة ويتحكم فيها ، ولم يحدث العكس أبدا قبل وصول الرئيس سيد محمد ولد محم لقيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية ، تغيرت هذه الثقافة وبدأ نموذج جديد يتأسس في الثقافة السياسية العربية بشكل عام ، وفي المشهد الوطني بشكل خاص ، لم يسبق للناس أن تعرفوا على رئيس حزب حاكم ياكل الطعام ويمشي في الأسواق ، الناس المشبعون بطغيان رؤساء الأحزاب الحاكمة في زمن ازدهار الإستبداد ، والناس المشبعون ببروقراطية رؤساء أحزاب آخرين لايظهرون للناس إلا وفق إجراءات صارمة ، ذهلوا وهم يستقبلون كل مساء رئيس حزب حاكم ياكل معهم ويسمع حكاياهم وينصت لمظالمهم ، ذهلوا وهم يعيشون التغيير ويشاهدون بعيونهم اسطورة من أساطير السياسة العربية تتفكك وتتلاشى وتعود لمكانها الطبيعي من الزمن الرديء الماضي . هذه الصورة الجديدة اذهلتني كما اذهلت الناس ، والأذهلني أكثر وقوفي عن قرب على الرئيس سيد محمد في مقاطعة عرفات مساء أمس وهو يستمع لضيوفه من الضعفاء والبسطاء يستمع لهم بتهذيب وينصت لهم بتركيز ولايسحب طرف فضفاضته من بين أيديهم وهم يسحبونه على كل اتجاه لعرض مشاكلهم ومظالمهم ، وإن كانت في غالبها لاتعنيه فهي مابين مشاكل إدارية تتعلق بتوزيع الأراضي ومشاكل تتعلق بالكهرباء والماء ومشاكل أخرى تتعلق بالضرائب ، في الصميم مشاكل قطاعات حكومية ، ولو ان أي رئيس حزب حاكم في مكانه لجلس مع رئيس القسم ومع إتحاديي الحزب ورؤساء وحداته في المقاطعة واستمع لمشاكل الحزب ومشاكل منتخبيه وانسحب بهدوء دون أن يثقل سمعه بسماع المشاكل اليومية التي لاتنتهي ولاتتوقف عند الناس . لكنه رئيس مختلف من زمن مختلف من ثقافة مختلفة ، ويشعر بمسؤولية كبيرة تجاه مواطني بلده ، ولايتعامل معهم كما يتعامل الآخرون معهم ارقام مجرد ارقام انتخابية ، إنهم بشر ومسؤولية وتكليف ، هذا ماشعرت به وأنا اراقب الرئيس سيد محمد وهو يتعامل مع قواعده الحزبية ومع البسطاء في احيائهم وهو يخصص شهر رمضان لزيارتهم ومساندتهم ومعرفة أحوالهم ، وليعلن ميلاد نموذج جديد في السياسة ونموذج جديد في التعاطي مع الشأن العام .. نموذج جديد للمسؤول السامي القريب من الناس والمطلع بشكل مباشر على مشاكل الناس وتطلعات الناس وليؤكد أن رؤساء الأحزاب الحاكمة مجرد بشر، وليسوا أنصاف آلهة يعيشون بقداسة بين البشر.