الفوارق الاجتماعية في موريتانيا:تجلياتها وسبل القضاء عليها/بقلم د.احمد ولد اميسه

ثلاثاء, 2015-06-16 03:16

إن الهدف من هذه الورقة هو إعطاء صورة واقعية عن الوضع السياسي والاجتماعي الذي عاشه المجتمع  الموريتاني  في ظل الأحكام و الأنظمة  المتعاقبة و على مر  عقود  من  تاريخ  الأمة و الدولة الموريتانية  وتعميق الرؤية الموضوعية لهذا الوضع في ضوء منظومة القيم الاجتماعية والثقافية القائمة على التميز والتفرقة  بين أفراد المجتمع و شرائحه وتحديد أبعادها المختلفة بشيء من التفصيل والتحليل الموضوعي.

كما تهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على أنجع الوسائل الكفيلة  بإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات والشرائح الاجتماعية وتمكينها  من المشاركة الفاعلة في مختلف مجالات الحياة.

و من اجل الوصول إلى ذلك  لا بد من التطرق إلى الظروف السياسية والاجتماعية التي فرضت على المجتمع الموريتاني  وانعكاساتها على مجمل الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي عاشها خلال تلك الفترة، واستعراض أبرز مظاهر التميز والتفرقة و أثرها في نمط العلاقات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الموريتاني.كما يجدر بنا الحديث عن أهم التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي شهدها المجتمع الموريتاني في ظل الدولة الحديثة وتأثيرها على منظومة القيم والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التقليدية التي أحاط الإنسان الموريتاني نفسه بها في الماضي.

إن الحديث  عن الفوارق الاجتماعية  و سبل القضاء عليها في المجتمع الموريتاني  يتطلب  منا التعريف  ببعض المفاهيم المهمة  و التي  لا يمكن  الحديث  عن القضاء على الفوارق الاجتماعية دون المرور بها و لو مر الكرام  كمفهوم الطبقة الاجتماعية  و العدالة الاجتماعية ،كما أن  تحديد الشرائح المستهدفة يتطلب  منا  الحديث عن التركيبة الاثنية للمجتمع الموريتاني.  و للاطلاع أكثر  على تجليات الفوارق الاجتماعية  فان الأمر  يتطلب  منا الخوض في آليات  و ظواهر التهميش في المجتمع الموريتاني  لكي  يتسنى لنا الحديث  عن  أنجع الحلول  و البرامج الضرورية للقضاء على ظاهرة الفوارق الاجتماعية.

الطبقات الاجتماعية:

يستخدم مفهوم الطبقة الاجتماعية للدلالة على مجموعة من الناس، تتشابه في جملة من الخصائص الاجتماعية والثقافية التي تميزها عن غيرها من الجماعات المكونة للمجتمع، وعلى الرغم من أن استخدام المفهوم يعود إلى فترات زمنية بعيدة، غير أن الدلالات العلمية التي ينطوي عليها تختلف باختلاف الرؤى الفلسفية للمجتمع وللعلاقات السائدة بين الأفراد المكونين له.

وفي الوقت الذي كان يستخدم فيه مفهوم الطبقات الاجتماعية بمعنى شمولي،ليدل على التمييز بين الأثرياء والفقراء في المجتمع الواحد، فيقال الطبقات الثرية أو الغنية، والطبقات الفقيرة، يأخذ البعض بالتمييز بين الطبقات الاجتماعية على أساس الموقع الاجتماعي الذي تشغله الشريحة السكانية في العملية الإنتاجية. والطبقة حسب  تعريف البعض «عبارة عن جماعة من الناس كبيرة العدد، تتميز عن بعضها تبعاً لموقعها في أحد أنساق الإنتاج الاجتماعي التاريخي، وتبعاً لعلاقة كل منها بوسائل الإنتاج، وهي علاقة يمكن التعبير عنها وصياغتها في قوانين محددة واضحة»، وتبعاً لدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل، ومن ثمّ تبعاً لنوع حصولها على نصيبها من الثروة وحجم هذا النصيب.

و على الرغم من القول بالتمييز بين أفراد المجتمع الواحد على أساس مستويات معيشتهم، وعلى أساس الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها، فان القول بمفهوم الصراع الطبقي يعد حديثاً.

إن تشكل الطبقات الاجتماعية لا يعود إلى أشكال ملكية وسائل الإنتاج و إنما يعود إلى أمور أخرى تتعلق بما يتمتع به الفرد من صفات وخصائص نفسية واجتماعية تحدد موقعه في التنظيم الاجتماعي، ولهذا فإن مفهوم صراع الطبقات يعد مضللا لأنه في حقيقة الأمر يخفي أشكالاً أخرى من الصراع.

 فعدد كبير من علماء الاجتماع المعاصرين يأخذ  بدراسة الطبقات الاجتماعية بطريقة مختلفة، ذلك أنهم يتناولون موضوع الطبقة بما تنطوي عليه من أبعاد نفسية واجتماعية بالنسبة إلى الأفراد، وبما تنطوي عليه من وظائف بالنسبة إلى المجتمع بصورة عامة، وبالنسبة إلى الطبقات نفسها خاصة.

إن التدرج الاجتماعي مظهر أساسي من مظاهر المجتمع الحديث، والتفاوت الطبقي وسيلة تؤكِّدُ أن أكثر الأوضاع الاجتماعية أهمية هي تلك التي يشغلها أكثر الأشخاص كفاءة. وهناك عوامل عديدة تظهر أهمية التدرج الطبقي من وجهة النظر الوظيفية، فالأوضاع الاجتماعية العليا تتطلب مؤهلات وكفاءات خاصة وتدريبات معمقة لا تتاح إلا لقلة من الأفراد، وتصبح الندرة النسبية سبباً من أسباب التباين الطبقي.

وتتمثل المعايير التي تقوم عليها تصنيفات الطبقات الاجتماعية في ثلاثة معايير أساسية: تصنيف يأخذ بمعيار الدخل ونمط الاستهلاك وأسلوب الحياة عموماً، ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث عليا ومتوسطة وكادحة، وتصنيف يقوم على معايير سياسية ومؤسسية، ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث حاكمة أو متنفذة ومتوسطة وكادحة، وتصنيف يقوم على العلاقة بوسائل الإنتاج، ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث: برجوازية، وبرجوازية صغيرة، ومتوسطة.

و مما تقدم  يمكن  تقسيم المجتمع الموريتاني طبقيا  على أساس  التصنيفين  الأول  و الثاني  أي  على أساس معيار  الدخل  و نمط الاستهلاك   و على أساس  معايير  سياسية  و مؤسسية و هو ما يعطينا صورة واضحة لاصطفاف  الغالبية  العظمي  لشريحة أو مكونة أو جماعة بعينها إن لم نقل  كلها في  إحدى  هذه الطبقات دون  غيرها و هو  واقع يكرس الفوارق الاجتماعية بالمجتمع الموريتاني بشكل تلقائي.

العدالة الاجتماعية.

تقوم العدالة الاجتماعية على عدالة التوزيع وهدفها الأساسي هو تقريب الفوارق الاجتماعية بين البشر التي تنجم عن الوراثة والطبيعة أو عن الأوضاع الاجتماعية المتوارثة كالميراث ومكانة الأسرة والنفوذ السياسي والاجتماعي. و هي تهدف من بين أمور أخرى إلى التوفيق بين حاجات الإنسان وقدراته, وبين ما يحتاج إليه وما يقدمه للمجتمع.

و يساعد تحقيق العدالة الاجتماعية على:
-  تحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين عند تساوى القدرات والمواهب ...
-  تيسير الأسباب المؤدية إلى المساواة  كالتعليم والصحة والثقافة العامة والضمان والتأمين الاجتماعي.
-  تحقيق ظروف عامه لحياه متشابهه لجميع المواطنين.

 

فالعدالة الاجتماعية لا تهدف إلى القضاء على الفوارق الطبيعية بين الناس ولكنها تحاول عدم إساءة استخدامها. كما تعمل على تنظيم الموارد الاقتصادية المشتركة.كما تسعى العدالة الاجتماعية الحقيقية إلى تعويض بعض أفراد المجتمع و شرائحه عن الضعف والهزيمة وقله الحيلة تجاه القوه والغلبة والسلطة وبفضلها يتحقق الاستقرار و الوئام الاجتماعيين وتتقدم حياه المجتمع اقتصاديا و سياسيا واجتماعيا.

و يمر تحقيق العدالة الاجتماعية في أي مجتمع بثلاث مستويات و هي: المستوى المؤسسي و التشريعي و التنفيذي

خطوات تحقيق العدالة الاجتماعية:

-          تعاون شركاء التنمية المحليين و نعني بها مؤسسات الدولة و المجتمع المدني غير الهادف للربح والقطاع الخاص.

-          الاستهداف الجغرافي للمناطق الفقيرة والعشوائية في الريف والحضر

-          رسم خطة عمل زمنية متعددة المراحل، تتضمن برامج تنموية اجتماعية-اقتصادية

-          خلق شبكة حماية اجتماعية مُستدامة، لمواجهة آثار السياسات الاقتصادية غير العادلة

-          وضع سياسةً اقتصادية- اجتماعيةً تهدف إلى سد الفجوة بين طبقات المجتمع

-          محاربة كافة أشكال الإقصاء الاجتماعي

الإجراءات العملية لتحقيق العدالة الاجتماعية

-          العدالة في توزيع الثروة (الحد الأدنى والأعلى للأجور)

-          قيام إستراتيجية الدولة على التكافل والتضامن بين الفئات المختلفة للمجتمع

-          تقسيمٌ عادلٌ للموارد

-          ضبط الأسواق، والمراجعة الدائمة لقوانين السوق

-          رفع أسباب الإقصاء الاجتماعي

-          إقرار مبدأ تكافؤ الفرص في مجال الخدمات الأساسية (التعليم- الرعاية الصحية- الإسكان- التأمينات الاجتماعية..)

-          تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ومساعدتها في مساندة خطط تنمية المجتمع

-          دعم الحركة النقابية لتنظيم صفوفها وصياغة مطالبها

-          تشجيع ودعم القطاع التعاوني خاصةً في مجال الزراعة و الصيد البحري

-          التغطية التأمينية من مخاطر المرض والعجز والشيخوخة والبطالة

-          تيسير انضمام الفئات المستحقة للضمان الاجتماعي

-          إصلاح النظام الضريبي بفرض شرائح تصاعدية

-          الدعم السلعي ودعم الخدمات العامة، والاستهداف الكفء للفئات المستحقة

-          دعم الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية

-          جذب الاستثمارات الخارجية من خلال رفع مستوى التعليم وتدريب قوة العمل و إصلاح العدالة

التركيبة الاثنية للمجتمع الموريتاني

قبل  الخوض   في  هذا  الموضوع  نود  الإشارة  إلى  أننا  فضلنا  تسمية  الأمور  بمسمياتها  المحلية  مع  تمسكنا بنظرتنا الخاصة و فهمنا  الشخصي للتركيبة  الاجتماعية  للمجتمع  الموريتاني بالشكل  الذي يسمح لنا بتشخيص موضوعي للفوارق الاجتماعية التي   يعيشها  المجتمع و أهم تجلياتها مع احترامنا  لوجهة  نظر  من  يخالفنا الرأي، ذلك  أن  المتتبع   لمختلف   الآراء   و الرؤى  والمواقف  يرى  و بشكل   جلي   عدم  اتفاق المهتمين  و الدارسين  على موقف  موحد بخصوص انتماءات  و أصول  و أعراق  المجموعات الاجتماعية المكونة للمجتمع  الموريتاني  و  خاصة  عند  الخوض   في  الجوانب  السياسية مما  ينتج  عنه غياب   تعريف  جامع  مانع  أو  تصنيف  موحد، لذا  فقد  سلكنا  هذا  المنحى  الذي   نعتبر  انه  اقرب  ما  يكون  إلى  الواقع  و الذي   يقاسمنا  إياه  اغلب   المهتمين  أو  الساعين  منهم  إلى  اكبر   قدر ممكن من  الموضوعية حيث  أننا  اعتمدنا على  عوامل  اللغة  و الثقافة  والعادات  و التقاليد   في   تصنيفنا للمجتمع و ليس على عامل  الدم  و العرق و النسب.

 فالمجتمع  الموريتاني يتكون من  سلالات  و أعراق  متعددة  تبلورت  بفعل  الزمان  و تطور الأحداث  حتى أخذت شكلها الحالي  الذي يتكون  من  ستة مكونات  اجتماعية  تنضوي  تحت جماعتين أساسيتين و هما جماعة البيظان  وتضم العرب  و البربر و  بدورها  تنقسم إلى  البيظان البيظ  و البيظان السمر  و الذين  يطلق  عليهم الحراطين (لذا فإننا  سنطلق  اصطلاحا   في  هذه  الورقة   اسم  الحراطين  على  جماعة  البيظان السمر و  اسم البيظان على  من  سواهم  من  مكونات هذه المكونة)وجماعة لكور  وهم  الزنوج  غير العرب   و تضم  طوائف الفلان  ،التكارير،السوننكي و الولوف و لكل  من  هذه الجماعات  خصوصيتها الاجتماعية و الثقافية  و الحضارية  و لكل  منها  وعيها الذاتي  بخصوصيتها المتميزة   و مع  ذلك  يجمعها كلها أو بعضها  قاسمان مشتركان  مهمان أولهما   الدين الإسلامي  الذي  يجمعها  كلها و ثانيهما اللغة  حيث  تشترك  البيظان  و الحراطين  في اللغة العربية  فيما  يشترك  الفلان  و التكرور في  اللغة البولارية. و لكل من هذه الجماعات الاجتماعية طموحاتها الاجتماعية و الاقتصادية و مشاعرها و ميولها و اتجاهاتها الفكرية و السياسية و يرى البعض أن ظاهرة التعصب للأصل و النسب هي سبب التدرج و التفاوت الطبقي و الجمود في هذا المجتمع.

و تبين الدراسات إن المجتمع الموريتاني  يرجع من  حيت العرق إلى ثلاث  سلالات رئيسية هي  العرب  و البربر  و الزنوج  مندمجين في  وحدة وطنية  و إن كانت  الطبيعة الفطرية  و النزعة القبلية و الاثنية تغلب  على  سلوكهم الاجتماعي  و السياسي  ،خاصة أنهم حديثو العهد  بمفهوم  الوطن  و الدولة .

إن المجتمع الموريتاني  مجتمع  تعددي حيث  يتكون من  جماعات و قبائل  متعددة  و تغلب فيه  الهويات الخاصة على الهوية العامة  و تتسم العلاقات بينها بالتراوح  بين  عمليتي  التعايش  و النزاع   و عدم  القدرة على الاتفاق   حول الأسس  و مما يرسخ الانقسامات بين  هذه الجماعات الاجتماعية  و يؤدى بها  إلى الصراعات  هو  وجود  فوارق   و تفاوت  في  الامتيازات السياسية  و الاقتصادية  و المدنية  و في  المكانة  الاجتماعية.

إن غياب الصراع الطبقي  كتناقض أساسي  في  المجتمع الموريتاني أدى إلى بروز التعدد  العرقي ألاثني  و القبلي كمغذي  أساسي  للتناقض السياسي. و قد لعبت العوامل التاريخية و الاجتماعية دورا بارزا في الإبقاء على التمايز بين مكونات المجتمع الموريتاني و في صعوبة إن لم  نقل استحالة الانتقال من جماعة إلى أخرى.

و بالحديث بشيء من التفصيل عن مكونات المجتمع الموريتاني يمكن أن نتكلم عن مكونتين أساسيتين هما:

1- مكونة أو جماعات لكور: و ينتمي اغلبهم  إلى جماعة التكارير التي  تأتي  بعدها  من حيث  الأهمية العددية  جماعة السوننكي  ثم جماعة  الفلان  و  جماعة الولوف   و تتمركز هذه الجماعات بالأساس  في  حوض  نهر السنغال  و تمتهن النشاط  الزراعي على ضفة النهر  باستثناء  جماعة الفلان.  و حسب سياسيو هذه الجماعات فإنها تواجه  تمييزا  سياسيا  و  مجتمعيا تغذيه  القطيعة شبه  التامة   لمختلف فئات هذه  المكونة  مع   الجماعات  المشكلة  للمكونة  الأخرى.

2-مكونة  أو جماعات البيظان: و تضم  هذه  الجماعة  كل  من الزوايا   و بني  حسان   و ايكاون و لمعلمين   و ازناكه  و الحراطين  و بالنظر  إلى هذه الجماعة  نجد  أن  مكونة  ازناكة  تلاشت  تقريبا   و انصهرت  مع  الشرائح  الأخرى  و لم  يعد  لها  وجود  يذكر مع  قيام الدولة الحديثة أما  جماعتا  ايكاون  و لمعلمين فقد  ظلتا  متميزتان بسبب  ارتباطهما الطوعي  بالمهن التي  تزاولانها  حيث  وجدتا  فيها  خير معين  لهما  على العيش  و الكسب حتى أصبح  بعض  أفراد  هاتين  الشريحتين   يعتبر من  ميسوري  الحال  في  المجتمع  الموريتاني   و لعل  هذا ما يفسر  ارتباط  هاتين الشريحتين  بهذه المهن  و التشبث بها  و احتكارها  عرفيا  على الغير   حتى  و لو  كان  موهوبا  في  إحدى  هاتين  المهنتين.إلا  أن  الفترة  الأخيرة  شهدت  ما يسمى  بحراك   لمعلمين  و الذي   يقوده   بعض  مثقفي  هذه  الشريحة  ، الذين   يعتبرون  أنها  تعاني  من   ظلم  اجتماعي و  نظرة  دونية  تغذيها  بعض  الأساطير الشعبية  و الأقاويل و المفاهيم الدينية  المحرفة ،مما  نتج  عنه تمييز و  إقصاء  و تهميش   لهذه  الشريحة  تجلى  في   غيابها   عن  إدارة الشأن  العام  و  عن   المناصب  السامية  في  الدولة.

أما  جماعة الحراطين  فتنتشر في  كل  مناطق  موريتانيا  حيث  يتواجد  أفرادها في  الريف  في الغالب في  تجمعات قروية على مقربة من الحقول  و الواحات  تعرف  في الغالب  بادوابه  أو في  ضواحي المدن الكبيرة  في  أحزمة  أحياء القصدير  أو ما كان  يعرف  بالكبات  ممثلين  بذلك الجماعة  الأكثر  تأثرا بالفقر الحضري .

و اليوم  فان  أفراد  مكونة الحراطين   يتواجدون  أيضا في  أحياء  المدن   مع غيرهم من  المواطنين   و إن كان  يندر  وجودهم   كملاك في  الأحياء  الراقية  و يشكل الحراطين العمود  الفقري  لليد  العاملة البسيطة في البلاد  حيث يقومون بالعمل في الزراعة و الرعي  في الأرياف  و البوادي   و في المناطق الحضرية يشكلون شرائح واسعة  من الحمالين و أصحاب  العربات  و الجزارين  و أصحاب  المغاسل اليدوية  إلى غير ذلك من الأعمال التي تقوم على القوة البدنية  و يرى بعض  نشطاء  و سياسيو  جماعة الحراطين أن  جماعة البيظان   لا  ينظرون  إليهم  إلا كيد  عاملة  يستخدمونها لصالحهم  دون الإسهام  في  ترقيتهم  الاجتماعية و السياسية  و لا يعاملونهم إلا كمواطنين من درجة ثانية .و قد  شكلت  مكونة الحراطين  منذ القدم  قوة إنتاجية  ذات  بال   من آليات  و وسائل الإنتاج  التقليدية  و اليوم  أصبح  أفرادها يتطلعون إلى ما يسمونه نصيبهم من  إدارة البلاد  و التي  يعتبرونها  ظلت حكرا  على مكونة  واحدة  و مما يزيد  من  وطأة الشعور بالاستياء  الذي يساورهم تلك المظالم التي  سببتها  ظاهرة الرق  و  ما نتج  عنها   من  تردي أوضاعهم  المعيشية  و ما يشعرون  به  من إقصاء  و تهميش.

آليات  التهميش  كأحد  أهم أسباب  الفوارق الاجتماعية:

من بين المقاربات التقليدية التي  تناولت دراسة التهميش هو المدخل السياسي الذي يركز على دراسة  السياسات العامة  و درجة انحيازها أو حيادها فيما يخص المواطنين ،و ذلك وفق مقولة  الدولة –المواطن    و هناك عدة تفسيرات لهذه المقولة فالبعض  يرى أن الدولة في  إتباعها  لوظيفتها التوزيعية  قد استبعدت أو قامت بتهميش قطاعات شعبية معينة مما افرز الفقراء  بينما  يرى البعض الأخر أن  الفقر  و التهميش  ليسا من  مخرجات النظام السياسي و إنما نتاج  طبيعي  لسمات معينة يولد  بها الفقراء و يرثها أولادهم  و تستمر لأجيال  متتالية  و لن يكون الحل إلا بالتكيف مع الفقر  و في  هذا الإطار ظهرت منذ  الخمسينات  من القرن الماضي بعض الاستراتجيات التي  تطرح  بعض المفاهيم  لكسر  حلقة الفقر لزيادة اندماج  المهمشين  في المجتمع  و  من أبرزها مفاهيم القوة و التمكين و الأحقية.

فقد ركزت الليبرالية منذ أوائل الثمانينات من القرن العشرين على مفهوم نشر  و توزيع القوة  و الحيلولة دون احتكار  فئة معينة في المجتمع لها ،مما أدى  إلى بروز  مفهوم التمكين  الذي  يركز على إعطاء الاستقلالية للمجتمعات المحلية و النهوض  بأحوالها من خلال الاعتماد على الذات  بغض النظر عن  طبيعة الدولة  و يقوم هذا المفهوم باعتبار أن القضاء على الفقر  و التهميش يتطلب أن يكون لدى الفقراء القوة الكافية لدفع النظام لاستحضار  حاجاتهم  و العمل على تحقيقها أكثر من  الاهتمام  بتحقيق  رغبات النخبة فقط. و من ثمة فان التمكين يعني إقامة نظام يستند  إلى مشاركة عامة و مباشرة جماعية في إطار عملية التنمية من اجل زيادة  قدرة الفقراء على المشاركة في القرارات التي تؤثر في  حياتهم ، و تلعب الدولة  دورا  مهما في هذا الشأن عن  طريق  خلق البيئة المناسبة لتمكين الأفراد من ذلك كما أن التمكين  يعتبر  مطلبا أساسيا كحل عملي لمشكلات الفقر و الجوع.أما مفهوم الأحقية فهو يقوم على مزيج من القانون و القوة من خلال عملية مستمرة يتم بمقتضاها تحويل مطالب الفرد إلى أمر واقع في ظل امتلاكه للقوة.

إن  مفهوم التهميش  يتجلى في  تدهور الوسط البيئي للمناطق  المهمشة  و غياب  البنية التحتية  بها و شيوع اللامشاركة  لدى الجماعات المهمشة  و شيوع الفقر  و ثقافته ،حيث  يخلق الفقر  ثقافة  خاصة به  متميزة و ذات  خصائص  مشتركة بغض النظر  عن المجتمع الذي يوجد به الفقراء إلا انه بالضرورة  تختلف العوامل  و الظروف التي  تنشا  عنها ثقافة الفقر  لكل  مجتمع ، و ذلك لأنه لكل  مجتمع  ظروفه البنائية التي  تميزه عن أي مجتمع آخر.

و ينقسم التهميش إلي  ثلاثة أقسام  أساسية  و هي :تهميش  اجتماعي  و اقتصادي  و سياسي.

التهميش الاجتماعي : يجمع المجتمع الموريتاني  بين نوعين من المجتمعات  وهما  المجتمعات المختلطة  و المجتمعات  المغلقة .

فالمجتمعات المختلطة  هي المجتمعات التي تتكون  من  أقليات  عرقية أو دينية  مختلفة  حيث  تتآلف  هذه المجتمعات من  جماعات اجتماعية مختلفة لكل  منها  خصوصيتها  الثقافية  أو اللغوية أو اللونية أو التاريخية. و يمثل المجتمع الموريتاني  نموذجا من المجتمعات المختلطة  ذات الأقليات العنصرية ،  و أهم المشكلات التي  تواجه هذا النوع  من المجتمعات عموما  هي  مشكلة الفرقة و الانقسام  بين أفرادها لذا من أهم واجبات حكوماتها الأساسية هو  تكوين الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع  لكي  تستطيع الدفاع عن نفسها و تكون  قادرة على  تحقيق  أهدافها المجتمعية المنشودة ،و  خاصة  في  ضوء  ما  نشهده  اليوم  من  نزعات  شرائحية  و  دعوات  عنصرية و  فئوية و صلت  في   بعضها  إلى  حد  الدعوة  إلى الثورة على ما يصفونه  بالنظام الإقطاعي الاستعبادي أو حكم  البيظان و في  مستوى  اقل  إلى المطالبة  بحكم   ذاتي في  أجزاء  من  الوطن.

أما المجتمعات المغلقة فهي  مجتمعات إقطاعية و طبقية  و التي تتكون من طبقات اجتماعية صلدة  و جامدة و لا توجد مرونة  بينها أي  لا تعطي المجال للفرد للانتقال  من  طبقة إلى أخرى أعلى أو أدنى من الطبقة التي  كان ينتمي  إليها  في بداية حياته و هذا الأمر  يتجلي  أكثر  في  جماعات لكور بكل  مكوناتها.

مظاهر التهميش الاجتماعي  في  موريتانيا

لقد  افرز  نظام الرق و غيره  من الممارسات  التمييزية  جملة من  الظواهر الاجتماعية من أبرزها  التهميش  و الإقصاء  و التمييز الاجتماعي   و العنصرية و التعصب حيث  أصبحت  هذه الظواهر  من اخطر المشكلات الاجتماعية  التي  يواجهها المجتمع  الموريتاني.

و تتجلى ابرز مؤشرات التهميش الاجتماعي  مقابل الاندماج  من جهة من خلال  عدم الزواج و المصاهرة  و من جهة أخرى  من خلال المشكلة السكانية وعزل المنطقة السكنية لمكونة اجتماعية ما.فالمجتمع الموريتاني  مجتمع  مغلق  حيث  ينعدم الحراك الاجتماعي  المتمثل في الزواج الخارجي ،إذ لا يسمح في اغلب الأحيان بالتزاوج بين مكوناته الاجتماعية بسبب الحواجز الاجتماعية و النفسية القائمة بين مكونات هذا المجتمع أما  ما يتعلق  بعزل المناطق السكنية فهذا  ما  يجسده  وجود  ادواب  و لكصور في المناطق  الريفية و الكبات  و الكزرات في المدن الكبرى و كمثال   في  نواكشوط  :مقاطعات  و أحياء   السبخة ،الميناء،الدار البيضاء ،أحياء من الرياض  و دار النعيم.....

و تجدر الإشارة إلى أن ما كان يعرف  بالكبات  كانت  تضم في  عقدي السبعينات و الثمانينات  من القرن الماضي أعدادا  معتبرة  من  اسر  مكونة البيظان  إلا أنها  تسربت منها  بشكل  ملحوظ  و مع  مرور الزمن لعدة أسباب  من ضمنها تحسن ظروفها الاقتصادية.و رغم أن  جميع برامج الحماية الاجتماعية  في العالم تهدف إلى مساعدة الأفراد  و الأسر و الجماعات الاجتماعية و المجتمعات في إدارة المخاطر  و المحن الاقتصادية و تقديم  المساعدة و المساندة للفقراء و الطبقات الهشة،  إلا أن سياسات الحكومات الموريتانية المتعاقبة اتجاه  هذه المناطق افتقرت إلي البصيرة و الاهتمام من جانبها و هذا ما يفسر  إخفاق الدولة لحد الآن في حل المشاكل السكنية لأغلب السكان الفقراء و المهمشين  و ذوي الدخل المحدود في المدن و الحواضر رغم  ما تم  بذله  من  جهد و  هدره  من  مال  في  سبيل  حل  هذا  المشكل.

التهميش الاقتصادي:يتحدد  التهميش الاقتصادي  من خلال  مؤشر  الملكية أي ملكية  وسائل الإنتاج حيث  تهيمن الجماعة المسيطرة عادة على وسائل الإنتاج بينما تبقى  علاقة الجماعات المهمشة بالملكية هي  علاقة العامل  برب العمل و ترتبط  مسالة التهميش الاجتماعي –الاقتصادي  عموما بقضية توزيع الثروة الوطنية و ما يتحصل عليه المواطن من دخل . و القضية التي تثير المشاكل عادة  و ترفع  من  درجة التوتر هي  قضية  عدالة التوزيع  فكثيرا ما يشعر المهمشون  إلى جانب الغبن الاجتماعي بان مداخلهم من ثروات بلادهم متواضعة بل  قليلة جدا ،مقابل ما يتحصل عليه قلة من السكان  إما ينتمون للدوائر الحاكمة مباشرة أو يمتلكون  النفوذ الاقتصادي.

مظاهر التهميش الاقتصادي في  موريتانيا:تتجلي  مظاهر التهميش الاقتصادي في  موريتانيا في  كل من  الأمية و البطالة و الفقر.

فالفقر يعد ظاهرة من ظواهر المجتمع الإنساني تتصل مباشرة بنوعية العلاقات الاجتماعية السائدة و بطبيعة الأفكار السائدة في المجتمع.فقد أدى الظلم الاجتماعي  و صياغة المجتمع على أسس  جاهلية (طبقية،فكرية منحرفة،عنصرية) إلى الفقر و الحرمان حيث  تتمتع  قلة محدودة  بكل فرص الثراء في حين  تعيش الغالبية العظمى من الناس  محرومة من ابسط  حقوقها الأساسية . و في الواقع فان صورا عديدة من حالات الفقر تستند إلى هذا العامل، فالكثير  من الناس  هم فقراء لأنهم ينتمون إلي قبيلة أو طبقة أو فئة أو اثنيه معينة من المجتمع. و الفقر لا تقتصر آثاره على الجيل الحالي فحسب و إنما تمتد إلى الأجيال المقبلة فالفقر يخلق الفقر و يورثه. فبالرغم من إنشاء الدولة سنة 1998 لوكالة مكلفة بمكافحة الفقر  و بالدمج  و حقوق الإنسان و التي  يبدو أن  الأهداف منها كانت دعائية فان سياسات الدولة  لم  تتوصل إلى نتائج  مهمة بل اتسمت  بعدم الجدية  و الالتزام بالأهداف المعلنة مما أدى إلى المزيد  من التهميش  و الإقصاء  و الفقر بل أكثر من  ذلك  فان  هذه  السياسات قد  رسخت  مفاهيم  الزبونية  و المحسوبية  و  الولاءات  الضيقة  و  استغلال  النفوذ،فازداد الفقراء   فقرا  و  ازداد  الأغنياء  و أصحاب  النفوذ  و  السلطة  و الجاه  و  من  يدور  في  فلكهم  تخمة  و ثراءا بدعم  و تمويل  من  الدولة  بشكل  مباشر  أو  غير  مباشر   عن  قصد  أو عن  غير  قصد .

إن الأمية  مرتفعة جدا  في  موريتانيا  و خاصة في صفوف  مكونة الحراطين إذ  يرى باحثون أن الطبقات التي  عرفت بالعلم  و كثرة العبيد في الماضي  لم يكلفوا أنفسهم عناء  تدريس  عبيدهم ليخلفوا لنا  هذه التركة الثقيلة من الأمية و التي تلعب  دورا  كبيرا في  جهل  و تخلف  و فقر  هذه الشريحة ،إذ  تعتبر  ادوابه و الكبات من اكبر  معاقل الأمية  لأسباب  منها غياب  البنية التحتية المدرسية  و عزوف المعلمين عن الالتحاق بمدارسهم في هذه المناطق ،كنتيجة للتسيب في قطاع  التعليم  في  ظل انتشار  المحسوبية و الرشوة ،و عدم اتخاذ  إجراءات  صارمة  ضد المتسببين في  هذه الوضعية.

و يعتبر القطاع  غير المصنف  و القطاع الزراعي  و الرعوي  هم مواطن العمل الأساسية بالنسبة للطبقات المهمشة في موريتانيا في الوقت الذي تتضاءل فيه أعدادهم في  القطاعات الحكومية مما يفسر  مدى تدني الدخل لديهم  و انعدام الحماية القانونية و الرعاية الصحية و الضمان الاجتماعي .

التهميش السياسي:إن التهميش السياسي  يتحدد من خلال مؤشر المكانة الوظيفية في البناء  الوظيفي لأي جماعة اجتماعية معينة ،حيث  تتميز الجماعة المهمشة بالإقصاء  و عدم التمثيل المتناسب مع  حجمها الديموغرافي  في الوقت الذي تهيمن الجماعة المسيطرة على الجهاز الوظيفي في الدولة . إن مسالة الجماعات المهمشة  و في  جميع الأحوال لا يوجد  لها  حل  ناجع خارج  حل مسالة السلطة ككل، فمن الملاحظ انه  كل  ما طرحت مشكلة الجماعات المهمشة تتبادر إلى الأذهان  تلك الحلول التقليدية  و السهلة و المتعلقة بالاعتراف  بحقوقها أو رفضها ،كما لو أن الاعتراف  أو الرفض لهما قوة سحرية قادرة على تغيير التاريخ و الواقع  و تحقيق الاستقرار السياسي.كما أن شيوع المناخ الديمقراطي القائم على تداول السلطة يعد شرطا موضوعيا لحصول الانتماء و الولاء الناجم عن الشعور بالعدل  إلى جانب أن التداول على السلطة يمثل  عنصرا أساسيا لتجديد السلطة  و تجديد تكوين القيادات الاجتماعية  و الطبقة السياسية اللازمة للتعامل  مع الظروف المتغيرة التي على المجتمع أن يواجهها.

إن المبادئ الخاصة بالديمقراطية و المجتمع المدني  معا  تمثل مفاتيح السلم  الاجتماعي و التطور السياسي و النمو الاقتصادي و التقدم الحضاري و هي لا تلغي التنافس أو الصراع في أي  مجتمع و لكنها تحول المجتمع إلى حلبة مفتوحة ،يسعى فيها الجميع إلى خدمة مصالحهم و الحفاظ على هوياتهم الفرعية دون تدمير الحلبة  و دون أن يكون ذلك على حساب المصلحة العامة أو على حساب الهوية الوطنية.كما يعد ضعف المشاركة السياسية احد  الإبعاد  الأساسية المرتبطة  بالتهميش السياسي.

 

إن تزايد التهميش  و الإقصاء يؤدي إلي الشعور بالاغتراب و عدم     الإحساس بالانتماء إلى مجتمع  قومي - أبناء وطن واحد- أكثر اتساعا  و شمولا من الانتماء القبلي  أو الاثني  و العرقي.

مظاهر التهميش السياسي في  موريتانيا: لم تتمكن الأنظمة السياسية التي تعاقبت على السلطة  في  موريتانيا من صهر الولاءات الاثنية و القبلية  و غيرها  من الانتماءات الأولية  في  بوتقة الولاء الوطني بل عملت على التفرقة بسبب غياب سياسات  اجتماعية و اقتصادية  و ثقافية تخدم  جميع مكونات المجتمع كما عملت على انتهاج سياسة إضعاف الصوت  الوطني  المخلص و غيبت أي  وجود  لديمقراطية حقيقية  و صاغت  مختلف  القوانين  و المدونات  الانتخابية  بصيغة تضمن  للنظام الحاكم  و الأحادي سوءا  كان   عسكري  أو شبه عسكري  أو  مدني   المزيد  من  الاستمرارية  و التحكم .

و مما سبق يمكن القول  إن  شرائح عدة تعاني  من   التمييز  و التهميش و بدرجات  مختلفة ،فمما لا شك فيه أن  جماعة   لكور تعاني  من تمييز   اجتماعي داخل كل  جماعة  من  الجماعات المكونة   لها  و بين الجماعات  نفسها   و بين  المكونة  و مكونة  البيظان و  هو  ما  يستدعي  قدرا  من  الوعي  الحضاري  و  الاندماج  الاجتماعي ،لكن مقارنة  مع  حجمها  و النسبة التي  تمثلها  من  السكان  و  المناصب  السياسية  و  الإدارية  الممنوحة  لها  في  مختلف   فترات  الأنظمة  المتعاقبة  على  البلد  فلا  يمكن  لأي  منصف  أن  يتحدث عن  تهميشها  السياسي أو  الاقتصادي مع  أن  التطلع  إلى  تحسين  الأوضاع  السياسية  و  الاقتصادية والحصول  على  المزيد  من  المزايا  و المكتسبات  يبقى  حقا  مشروعا   للجميع.

أما  بالنسبة لشريحة  لمعلمين فلا  يختلف  اثنان  في  أنها  تعاني  تمييزا  اجتماعيا يعتبر  وقع  تأثيره  النفسي  اشد  من  أي  تهميش  آخر و  هو  كذلك  يتطلب  درجة  كبيرة  من  الوعي  و  الرجوع  إلى  المنابع  الصحيحة  للدين الإسلامي و الابتعاد عن  بعض  الأمراض  الاجتماعية السائدة  و زرع  الثقة  في  النفس  لدى  أبناء  هذه  الشريحة و  قد  لا  يجانب  البعض  الحقيقة  إذا  قال  إن لمعلمين   لازالوا  يعانون  من  تهميش   سياسي تتجلى  مظاهره  في  أكثر  من  وجه و  خاصة  إذا  ما  تعلق  الأمر  بالمناصب  الانتخابية.

و  بالحديث  عن   شريحة  لحراطين فان  المتتبع  للشأن  الوطني   يدرك  بما  لا  يدع  مجالا  للشك  مدى  ما  تعانيه  هذه الشريحة من  تمييز  اجتماعي  و  تهميش  سياسي  و  غبن  اقتصادي  فقد آن  الأوان  أن  نفكر  جديا  في  القضاء  عليه  تجنبا لما  قد  ينجر  عن  التغاضي  عنه  من  نتائج  لا  تخدم  البلد  و  تهدد  وحدة كيانه  و تماسكه. فبعد  مرور عقود  من  النضال  و بالرغم  من تزايد الوعي لدى  أبناء  هذه  الشريحة  و شعورهم  بالغبن  و التهميش  و  مع  ارتفاع  أصوات المناضلين  و المثقفين  منهم  و من   أبناء  الشرائح  الأخرى  من  الحر  مرورا  بنجدة  العبيد  و  مبادرة  الحركة  الانعتاقية  و  صولا  إلى  ميثاق  الحقوق  السياسية  و الاقتصادية  و الاجتماعية  للحراطين  فان  التعاطي  مع  قضية  الحراطين  لا  يزال  دون  المستوى  المطلوب  رغم  المراسيم  و ترسانة  القوانين ذات الصلة.

الإجراءات العملية للقضاء على الفوارق الاجتماعية بموريتانيا:

إن القضاء  على ظاهرة التهميش و التمييز  و الإقصاء و ما ينجر  عنها من فوارق اجتماعية بشكل فعال ،يتطلب  معالجة جميع جوانبها الاجتماعية و الاقتصادية  و الثقافية و السياسية و النفسية و ذلك  من  خلال  عدة  إجراءات  عملية  نلخصها فيما يلي:

1-انتهاج سياسة اجتماعية جادة في سبيل القضاء على داء الأمية في صفوف  الطبقات المهمشة.

2- رد الاعتبار و النهوض بالمدرسة العمومية و توحيد الزى المدرسي

3- كبح جماح المد  المتزايد  للمدارس  الخصوصية  و تنظيمها  و التفكير  في  توحيد  رسوم الدراسة بها  و كذا المناهج

4- فتح مراكز للتكوين المهني لتأهيل و تكوين الأعداد الكبيرة من الأميين و أشباه الأميين و المتسربين من التعليم ليساهموا في بناء الوطن و تطويره و إنشاء مشاريع تنموية زراعية و رعوية في المناطق الريفية

5- تغيير العقليات و استغلال المنابر الدينية لذلك مراعين خصوصية المجتمع و الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الأئمة و العلماء في  تصحيح  الفهم الخاطئ للدين و التصورات الخرافية

6- مراجعة البرامج و المناهج التربوية و التي يمكن أن تشم منها رائحة التمييز أو الفوارق الاجتماعية

7- ترسيخ قيم المواطنة  و إرساء  عدالة اجتماعية حقيقية تقضي على التهميش  و تذوب الفوارق  و الحواجز الاجتماعية بين  مختلف  مكونات المجتمع

8- اتخاذ سياسة اجتماعية  تشجيعية تعمل على الاندماج الاجتماعي  و تدفع باتجاه الزواج المختلط بين  مكونات المجتمع و تزيل الحساسيات  و الحواجز و الفوارق الاجتماعية الاثنية  و العرقية لتعزيز لحمة المجتمع  ووحدته

9- اتخاذ سياسات  حازمة  لتقليص  الهوة الاقتصادية بين مكونات المجتمع  و القضاء  على الفقر في  أوساط  الجماعات  المهمشة  و توفير  ظروف مناسبة تساعدها على بناء  مساكن  لائقة كدعم  مواد البناء سبيلا إلى القضاء  على الأحياء العشوائية و أحياء الصفيح

10- إعادة النظر  في  قوانين الإصلاح  العقاري  من اجل  ولوج  الطبقات المهمشة في الريف إلى الأراضي  الزراعية  و استغلال  اكبر  قدر  ممكن منها  سبيلا  إلى إحداث  ثورة  زراعية  مفيدة للبلد  بعيدا عن الاحتكار  و الاستغلال  و شتى مظاهر الاستعباد  المقنع  أو الاسترقاق العصري

11- اتخاذ  إجراءات تمييزية  و عملية  من اجل  ولوج  أبناء  الطبقات الضعيفة و الفقيرة  و المهمشة إلى المؤسسات المالية  و البنوك  و التجارة  و قطاعات الإعلام  و الدبلوماسية و القضاء

12- ترقية التراث الشعبي  للطبقات المهمشة و إعطاءه أهمية خاصة من طرف  و سائل الإعلام

13- القضاء  على التهميش  السياسي  لكافة مكونات المجتمع التي  عاشت   الحيف  الاجتماعي و الغبن  و التهميش   و إشراكهم  بشكل فعلي  في  تسيير  شؤونهم  المحلية و الحرص  على  ولوجهم  لدوائر صنع القرار  و إشراك  مثقفيهم  و أصحاب الرأي  منهم  في  رسم السياسات  و البرامج  الهادفة إلى  مكافحة الفقر  و النهوض  بالطبقات  المهمشة  و إزالة الفوارق  الاجتماعية

14- تفعيل  دور  وكالة التضامن  أو إنشاء  هيأة  حكومية على أنقاضها  تهتم بإعداد الاستراتجيات و تنفيذ  البرامج الحكومية ذات الصلة  بالقضاء على الفقر و الأمية  و دمج  و تشغيل و تكوين و تأهيل  الفئات الفقيرة  و المهمشة و المحرومة   و التي  تعاني  من  مخلفات الرق  و الظلم الاجتماعي  بشكل  جدي بعيدا  عن  الدعاية  و الاستغلال السياسي .

د. احمد ولد  اميسه