
ليس من عادتي أن أمتدح الأشخاص، فالكلمات، مهما زُخرفت، تظل عاجزة عن إنصاف من جعلوا أفعالهم تتحدث عنهم قبل أقوالهم.
لكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، والحق يُقال ولو كره الحاقدون، والإنصاف واجب في زمن قلّ فيه الإنصاف، وعزّ فيه الرجال المخلصون، حتى صار ذكر الفضل لأهله مغامرة، لا يسلم صاحبها من سهام الحاسدين وضعاف النفوس.
فكثيرةٌ هي الأسماء التي تمرُّ في حياتنا، لكن القليل منها من يفرض عليك احترامه دون أن يسعى إلى ذلك، من يجعلك تذكره بكل تقدير دون أن يطلب، ومن يترك أثرًا عميقًا في قلوب الناس لا بسعة جيبه، ولكن بسعة أخلاقه ونقاء سريرته،. ومن هؤلاء السيد أحمد ولد خطري، المدير العام لميناء تانيت، الرجل الذي استطاع أن يجمع بين الحكمة والحنكة، بين التواضع والهيبة، وبين الصرامة والعدل.
رجلٌ يعرف كيف يكون قائدًا دون أن يفرض سلطته، وكيف يكون مسؤولًا دون أن يتعالى، وكيف يكون صاحب قرار دون أن يكون متعجرفًا،.. فهو الذي يرى المنصب تكليفًا لا تشريفًا، والعمل مسؤولية لا امتيازًا، والإدارة فنٌّ لا استعراض.
لم يكن أحمد ولد خطري ممن يرفعون الشعارات دون تطبيق، بل كان رجل الميدان، الذي يضع الأمور في نصابها، ويزنها بميزان العقل والحكمة، فلا يستعجل في اتخاذ قرار، ولا يتردد حين يحين وقت الحسم.
لقد صنع لنفسه مكانةً في القلوب قبل أن يصنعها في المناصب، فقد كان قريبًا من الموظفين، صديقًا للجميع، يحترم الصغير قبل الكبير، ولا يفرق بين هذا وذاك إلا بمعيار الجهد والعمل.
وبكرمه ونبل أخلاقه، كسب احترام المحيطين به، وبنزاهته وشفافيته، فرض هيبته على الجميع؛ لم يكن الرحل بحاجةٍ إلى أموالٍ طائلةٍ ليحظى بالاحترام، فقد كان غناه في عقله وأخلاقه ومروءته، وكان رصيده الحقيقي محبة الناس وثقتهم، وهي أثمن ما يمكن أن يملكه إنسان.
لم يأتِ أحمد ولد خطري إلى هذا المنصب باحثًا عن مجدٍ شخصي، بل جاء ليخدم وطنه، فأعطى ولم يأخذ، وبذل ولم ينتظر المقابل..
لقد قدم الكثير خلال توليه هذا المرفق الاقتصادي الحيوي، ولم يكن يومًا ممن يجلسون في مكاتبهم الفاخرة، بل كان رجل القرار والتنفيذ، يخطط بعقلٍ، وينفذ بحكمة، ويعمل بصمت.
فكانت إنجازاته شاهدة على بصيرته، ورؤيته بعيدة المدى جعلته قادرًا على إقناع الشركاء بتوقيع اتفاقيات سيكون لها أثرٌ إيجابي على الميناء، وعلى الاقتصاد الوطني ككل.
ولم يكن صانع مشاكل، بل كان صانع حلول، يرفض الصراعات والخلافات، ويسعى إلى العدل والمساواة، مؤمنًا بأن المسؤول الحقيقي هو من يجعل الجميع يشعرون أنهم جزءٌ من النجاح، لا مجرد أرقامٍ في منظومةٍ إداريةٍ جامدة.
آمن ولد خطري بأن العمل وحده هو الذي يصنع الفارق، وأن "من بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه"، ولهذا لم يكن يومًا ممن يعتمدون على الألقاب أو العلاقات، بل كان يعتمد على جهده واجتهاده، وعلى رؤيته التي لا تعرف المجاملة في الحق، ولا المساومة في مصلحة الوطن.
ولهذا، كان حديث العاملين معه عنه حديث احترامٍ وإعجابٍ، فقد عرفوه قائدًا لا يتخلى عنهم، ومديرًا لا يختبئ خلف مكتبه، وإنسانًا قبل أن يكون مسؤولًا.
وإن كنا نكتب هذه الكلمات اليوم، فليس تزلفًا، ولا مجاملة، بل شهادةٌ نرجو أن نوفيه بها جزءًا من حقه فهو رجلٌ عمل بصمت، وأخلص بإتقان، ولم يكن يومًا ممن يبحثون عن الأضواء، بل كانت إنجازاته هي التي تتحدث عنه.
وإن كنا نرجو له مزيدًا من التوفيق، فإننا أيضًا نأمل أن نراه في مهام ومسؤوليات أكبر، لأن هذا الوطن بحاجةٍ إلى رجالٍ من طينته، إلى مسؤولين لا تُغريهم المناصب، ولا تأسرهم الامتيازات، بل يضعون الوطن فوق كل اعتبار، ويجعلون النجاح الحقيقي هو ما يبقى أثره بعد رحيلهم.
لقد خدم قناعاته، ودافع عن رؤيته، وكان من رجال المرحلة الذين أسهموا في دعم البرنامج السياسي لصاحب الفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فأخلص في العطاء، وبذل الجهد، وظل كما عهدناه، رجلًا من رجال الوطن، الذين يستحقون أن يُقال فيهم: شكرًا بحجم عطائك، وتقديرًا بقدر إخلاصك، وامتنانًا يليق بنُبلِ مواقفك.
-الشيخ ولد يونس