في هذه الجمعة المباركة ونحن في أجواء عيد 8 مارس، أنقل لكم ذكريات جميلة ترحما على جدّتي واستحضارا لمحامد وخصال السلف الصالح،،،
رحم الله جدّتي مريمُ منت الحسن (مَيَّ). عاشت ما يناهز مائة عام (100)، وتوفيّت وهي تتمتع بقواها العقلية والجسمية كافّة، باستثناء ضعف في السمع. حرصَت على أن تبقى خَيْمتها مسموكة طيلة حياتها، شامخة، مستقلة، كاملة الأواني والأثاث والأغراض. تكتبُ بنفسها وتقرأ القرآن في لوحها الشخصي. ولا تأكل إلاّ ممّا صنعت يداها. تخرج كلّ يوم بعد صلاة العصر إلى الوادي. تمشي وقد احْدَوْدَب ظهرها وانحنى وتعُودُ قبل الغروب تجرّ وراءها عيدان من الحَطب. وفي الغد تتولّى بنفسها طبخ الغداء بهدوء وصمت واستحياء. توقد النار وتنصب المِرجل وتغلي الماء وتختار من الوجبات أسهلها: عيش ازرع، عيش تافْلكوتْ، بلاخ، انْشَ، كُران، حنْبَگنِ، إلخ؛ وأقربها إلى الطبيعة كالخضار والفواكه: النبغ، لگليّة، الصمغ، لحدج، آدلگان، إلخ. وفي الليل، لا تتناول إلاّ جرعة حليب في إناء نظيف. وتقول إنّ بقيّة قوتها في شوائل الجنّة: يس بعد صلاة الصبح، والفتح بعد الظهر، والنبأ بعد العصر، والواقعة بعد المغرب، والملكـ بعد العشاء.
وقبل أن تنام، تحرص على أن تغطّى كل الأواني والحاويات وكلّ الأشياء المفتوحة، وتأمر أهلها بذلكـ. لا تقبل المبيت بالعرَى أبدا؛ ولا تنامُ إلاّ بينها وبين السماء سِترٌ. تكرَهُ رمي الأوساخ قرب الخيام، وحربها مستمرّة ضد القمامة. كانت تنهى عن الأماكن المتعفّنة كرماد المطبخ، ودم المذبح، والمسلخ، والمدبغ، إلخ. تحبّ الطبيعة وتحذّر من اقتلاع الأشجار وقطعها من جذورها، وتراقبُ زُرُوب الماشيّة للتّأكد من صنف الأشجار المستخدَمة وكيفيّة اقتطاعها. كانت تحبّ الحيوانات الأليفة ولها علاقة خاصّة بالحمام، وقد شاهدتها تشتت الحبوب في جوانب الخيمة وترتاح كلما رأت الحمام يتغذى منها.
وعلى صعيد آخر، كانت تنهى عن خروج الأطفال وخاصة البنات قبل غروب الشمس وبعده لمدّة نصف ساعة تقريبا، وتأمر بالتعوّذ بكلمات الله من شرّ ما خلق 3 مرّات على الأقل، والاجتهاد في الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وطقوس وأدعيّة كثيرة وأسماء وأوراد وآيات الحفظ والگصْبَه والأمن والنجاة والتمكين والنصر والرزق والتوسيع، إلخ. سألتها ذات يوم: هل علّمك فالِ كلّ هذا؟ ضحكت وقالت: "أثَرْيَوْه! أهل بلاّل والتّرْشَ، فالِ إشّيرْ! هذه المجموعات تعودُ لجدّي : الطالب ولد ببانا"! كانت تحثّنا على الصدقة، وفي كل ليلة جمعة تنادي بإخراج شراب الصالحين، وتسقيهم بأفضل ما عندها، إلخ.
هكذا كانت المرأة الموريتانيّة؛
اللهم ارحم جدتي ميّ، ووالدَي وجميع أموات المسلمين.