انتزاع القرار أولى من استجداء الحوار/بقلم: باباه ولد التراد

أحد, 2016-02-14 16:22

من المتفق عليه أن أهم قنوات التطور السياسي ، وحمايته من أي ضعف ، يتمثل أساسا في وجود قوى سياسية " معارضة " تمارس عملها بحرية تامة  ، و تراقب أداء الحكومة والقيام بممارسة عملية نقد موضوعي لأي قرار أو إجراء تقدم عليه السلطة التنفيذية ،  ويترتب على ذلك أن المعارضة تؤدي دوراً ووظيفة أساسيةباعتبارها من مكونات النظام الديمقراطي ، الذي ينطوي على عدة قيم أساسية مثل المساواة والحرية والمشاركة والتعددية .

ومع ذلك فوجود المعارضة في حد ذاته حالة صحية مؤسساتية ، وعدم وجودها ينطوي على مخاطر جمة ، قد تؤدي إلى إخراج المجتمع من مساره الديمقراطي ،وهذا يستدعي من الحكومة أن تدرك جيدا أن تقزيم دورالمعارضة يعد في الواقع تشجيعا على المواجهة والعنف ، لذلك فإن المعارضة يمكن أن تكون صمام أمان ضد تحويل أي خلاف بسيط إلى صراع خطير ، حتى أن الدول المتحضرة أوجدت أماكن مناسبة للمفكرين والمثقفين والسياسيين بالقرب من السلطة ، واستفادت منهم في حركة النقد الهادف فأصبحوا عونا لها ، ولم يكونوا خطراعليها ، ولهذا فإن للمعارضة حق النقد والاعتراض وإدانة التجاوزات ، وحتي رفض المقترحات الحكومية ، والمعارضة بهذا المعنى تشكل سلطة مضادة ، بل أكثر من ذلك فهي "حكومة ظل" وعليها واجب الدفاع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية والحريات العامة ، وتعد من أهم أدوات التنشئة والتنمية .

ومن هنا فإن استجداء المعارضة الموريتانية للحوار ـ حسب ما يقول البعض ـ ، أو بالاحرى الانبطاح عن العمل النضالي ، إلى أن تمن الحكومة  على المنتدى بحوار، لاناقة للسلطة فيه ولاجمل ، لا يمكن أن يصنف أبدا ضمن منظومة الأعمال والأساليب الديموقراطية التي تستخدمها عادة المعارضة في الدول العريقة في مجال التناوب السياسي ، للضغط على سلطاتها من أجل انتزاع القرارات الصعبة من بين يدي حكوماتها ، غير أن ما قام به المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض مؤخرا ، من حملات ضاغطة على السلطات الموريتانية ، لمراجعة أسعارالمواد الضرورية ، وخاصة المحروقات ، قد أعطى أملا حقيقيا للجماهير بأن المعارضة الموريتانية التي هي في الأساس من مكونات النظام الديمقراطي في بلادنا ، أضحت تتمتع الآن بالعديد من الاليات التي تسمح لها بالاعتراض وإدانة التجاوزات ومراقبة العمل الحكومي .

ومع ذلك فان نتائج أي حوار تأتي عادة ثمرة لجهود مكثفة من الاحتجاجات والضغوط والنقد واقتراح الحلول الملموسة أو البديلة ، وتمكين المواطنين من الاختيار بين برامج ومبادئ متعددة ، تسمح بتجديد النخب السياسية ، وتجعل من المجتمع شريكا مساويا للدولة ، ليس في الجانب المادي فحسب ، وإنما في الجانب الأخلاقي الذي تتم من خلاله مراقبة سلوك المسؤولين أثناء تأديتهم لمهامهم ، والمساهمة في علاج أي أزمة طارئة أو التقليل من انعكاساتها السلبية على الجماهير ، وبذلك تتحقق الوظائف العامة المنوطة بالمعارضة ، وهي التعبئة ، والتنمية، والاندماج القومي، ودعم الشرعية ، والتجنيد السياسي ،  وعلى هذا النسق ستتجه هذه المعارضة إلى التجذر بعمق في مجتمع حر وعادل ، وعند ذلك يمكنها قيادة وتوجيه الجماهير وكافة عناصر المجتمع المدني .

وإذا كانت المعارضة الموريتانية اليوم ، قد اقتنعت  بأن من مسئولياتها كشف النواقص والسلبيات، إلى جانب دور الاحتجاج والنقد و الاعتراض ، والوقوف بالمرصاد لكافة التجاوزات أيا كان نوعها ، فإنعليها أيضاً المشاركة بجدية في تقديم الحلول والمقترحات التي يمكن أن تخدم الوطن والمواطنين ، وعندئذ ستنتزع من الحكومة كافة القرارات دون أن تحتاج إلى حوار لم يكن في صالحها أصلا ، لو تم انعقاده دون زخم هائل من الضغوط والاحتجاجات السلمية ، خصوصا أن الرئيس محمد ولد عبد العزيزقد قال ـ حسب ماجاء في موقع الصحراء ، السبت 13/2 / 2016 ـ " إنه لا ينوي في الفترة الحالية إجراء حوار مع المعارضة باعتبار أنه غير ملزم بالحوار السياسي معهم لأنه يتمتع بغالبية أصوات الشعب الموريتاني الذي أعطاه مأمورية جديدة وأنه كان يرغب في الحوار مع الأحزاب السياسية التي ترفع الصوت في معارضته ليظهر للخارج انه لا يرفض الحوار وأنه يمد يده إليه ".

ومع هذا فإن المعارضة الموريتانية كان باستطاعتها أن تراكم الانشطة والفعاليات ، لا أن تسعى للحوار فحسب ، لأنها ليست مكبلة من طرف الحكومة ، بل إنها تتوفر في الوقت الحاضر على أفضل ما يلزم من الضمانات الدستورية والقانونية التي ستمكنها من القيام بأدوارها ومهامها ، التي ستحتاج إليها ، من أجل موازنة المتطلبات والتطلعات وتحويل ذلك كله إلى سياسات عامة ، ومن ثم توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بها إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، لتحريك وتفعيل الجماهير بغية انتزاع القرارالسياسي ، وتحويل آراء المواطنين إلى خيارات سياسية واقعية تخدم البلاد والعباد .

غير أن ثنائية المعارضة والحكومة التي ترافقها عادة الاحتجاجات والضغوط والإختلافات في وجهات النظرحول بعض القضايا الوطنية ، يجب أن تحكمها ضوابط وقواعد واصول وآداب تحفظها من الشطط والفوضى وعلل النفوس ، فلا يجوز أبدا أن يؤدي أي عمل نضالي لصلح الوطن ، إلى تباغض أوتدابر أوتقاطع ، لأن أخوة الدين ، والإنتماء للوطن الواحد ، وصفاء القلوب ، قد تسمو بالجميع فوق الخلافات الجزئية " فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " ،  بل إن البعض يرى أكثر من ذلك ، حيث يقول فولتير: " قد أختلف معك في الرأي ، ولكني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك " .