اختلف الفقهاء في المذاهب الفقهية الأربعة، حول سبعة أنواع من النكاح هي: نكاح المسيار، النكاح العرفي، النكاح بنية الطلاق، نكاح الشغار، نكاح المتعة، النكاح المؤقت ونكاح المحلِّل.
وقد أثار خلاف الفقهاء حول الحكم الشرعي لهذه الأنكحة جدلا عميقا، ما بين محرِّم ومبيح وكاره لها ويعود الخلاف إلى كون هذه الأنكحة قد ظهرت في المجتمعات الإسلامية بعد رسول الله صلّ الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت اشكال أخري من النكاح، أثار بعضها جدلا بين الفقهاء مثل، نكاح الجهاد، الذي ظهر مع الثورة السورية ونكاح "الفندقة"، الذي أصبح ينتشر في السعودية، كما ظهر في موريتانيا، نموذج من "النكاح"، عرفه مفكر موريتاني في مستهل تسعينيات القرن الماضي بـ"Promotion Des Sexes، ويمكن وصف هذا النكاح بأنه عبودية جنسية بامتياز وتعريفه ب"نكاح المنفعة" ورغم انتشاره منذ أواخر ثمانيات القرن الماضي، لم يحظى باهتمام الفقهاء ولا باهتمام الصحافة ولا باهتمام المدافعين عن حقوق الانسان.
وهذا "النكاح"، تحل فيه المنفعة محل الحب وفيه الزوجة كافلة للزوج وشرطه الأول أن تكون الزوجة من المحيط الاجتماعي لرئيس الدولة أو تنتمي إلي أسرة ذات نفوذ قوي في النظام القائم أو سيدة من سيدات المجتمع وأن تكون غير مرغوبة لدي الرجال، خاصة من أبناء عمومتها لعلة في شكلها أو عقلها أو أخلاقها أو أن تكون مطلقة لها أولاد وأن يكون الزوج في مقتبل العمر أو متوسطه، يتمتع بنصيب من الجمال وحسبه ونسبه يساوي علي الأقل مرتبة السلم الاجتماعي للزوجة، بما يضمن لها التباهي به أمام الناس لتعويض ما حرمها الله مما حبا به بنات عمومتها وقريناتها.
والمرأة وأهلها، هم من يتحل تكاليف هذا "النكاح"، الذي فيه الزوج محمول النفقة والكسوة وصداقه، منصب كبير في قطاع حكومي أو في أحد أجهزته النظام السياسية أو صفقات بمبالغ كبيرة تخوله دخول عالم المال والأعمال، مع تعليمات لجميع قطاعات الدولة بفتح أبوابها أمامه بوصفه زوج "فلانة من الفلانيين"، حيث يصبح كالأسد الجسور أمام الناس وأمام زوجته ومحيطها، يرتعد كفأر بين عشر قطط ودائما ينتهي هذا "النكاح" اتراجيديا بعد سقوط نظام الرئيس الذي تنتمي المرأة لمحيطه الاجتماعي أو تفقد اسرتها مكان نفوذها، حيث يهجرها الرجل ويستولي علي ما استطاع الاستيلاء عليه من مالها. وقد حصلت، حسب علمي، أول حالة من هذا النكاح في الاسبوع الاخير من حكم محمد خونا ولد هيدالة، حيث تم بحضوره، مساء الجمعة 36 ساعة قبل ذهابه الي بوجمبورا، التي تم الانقلاب عليه أثناء تواجده فيها لحضور القمة الافريقية، عقد قران شاب ذُو حَسَبٍ وَنَسَبٍ وجمال علي مقربة جدا من ولد هيدالة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحظي برعايته.
وقد ذهب العروسان بعد مراسيم الزواج في موكب بهيج الي فندق صباح علي الشاطئ، الذي كان يعتبر حينها أرقي فندق في نواكشوط، الذي حجزت لهما الرئاسة فيه جناحا لقضاء شهر العسل، إلا أن الأمور سارت بما لا يشتهيان، إذ أعلن بعد ظهر الأربعاء 12/12/1984، اليوم الخامس لزفافهما عن الإطاحة بنظام ولد هيدالة في انقلاب عليه قائد الاركان العقيد معاوية ولد سيدي احمد الطائع.
وفي صبيحة اليوم الموالي، الخميس 13/12/1984 استيقظت العروس علي نفسها وحيدة في غرفة شهر العسل في فندق صباح، دون أن تجد أي اثر لعريسها، الذي انتظرته إلي المساء دون أن تخبر أهلها بخبر غيابه في انتظار عودته، التي لم يقدر لها الله أن تحصل أبدا، لتعود العروس الي أهلها مساء في بيت متواضع بضاحية من ضواحي نواكشوط بعيدا عن القصر الرئاسي وفي نفس المساء اقفلت علي ولي نكاحها قبل ستة أيام، الرئيس محمد خونا ولد هيدالة غرفة مظلمة في مقر قيادة المنطقعة العسكرية السادسة، التي نقل اليها مباشرة من المطار عند عودته من بوروندي، مقيد اليدين والرجلين وفي مساء نفس اليوم كذلك التحق العريس بإحدى الزوايا الصوفية في قرية ريفية بعيدة عن نواكشوط، حليق الرأس، رث الثياب وهو في حالة "جذب" حادة لازمته عدة أشهر إلي أن تأكد من أن المنقلبين علي صهره لا يضمرون له شرا.
ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي ازدهر "نكاح المنفعة" وشكل أهم مصدر للتوظيف وللنفوذ، حيث ارتبطت أعداد كبيرة من الطامحين للمال بسيدات من المحيط الاجتماعي لكل من حكم البلاد أو المتنفذين فترة حكمه، مما مكنهم من تصدر قوائم المستفيدين من النظام والانتقال من البؤس إلي الترف.
وأتذكر في هذا الاطار، علي سبيل المثال لا الحصر، لأن الشواهد لا تحصي، موظف بسيط جدا في مؤسسة سيادية، عين مديرا عاما لها بعد عقد قرانه علي سيدة من هذا المحيط لها أولاد أحدهم في سنه وشاب آخر بدون عمل عين في وظيفة دبلوماسية هامة بعد عقد قرانه علي إحداهن وآخر حصل علي منصب دولي مرموق كان من حصة موريتانيا.
ومن هؤلاء من توزر ومنهم من صار من الأثرياء ومنهم من تقلد وظائف سامية مؤهله الوحيد لشغلها، عقد قرانه علي "فلانة بنت فلان من الفالنيين" ومنهم من صار من المشهورين في مجال المال والأعمال. وظلت بوصلة الراغبين في "نكاح المنفعة"، تتغير بتغير الحكم في موريتانيا أو بتغير مراكز النفوذ لتستقر علي عانسات الحكام والنافذين الجدد.
وقد أدت ظاهرة اقبال الرجال، خاصة المثقفين والشباب علي "نكاح المنفعة" من أية امرأة من المحيط الاجتماعي لرئيس الدولة الحاكم أو محيط زوجته، الي ارتفاع أسهم نساء المحيطين في سوق الزواج وصارت اقبحن شكلا وأفسدهن خُلقا وعقلا يتنافس الرجال عليها ليكون لها هي الاختيار بين المتنافسين، حيث يؤكد الفائز بها قبوله لجميع شروطها وبأن لاسابقة لها ولا لاحقة عليها وأنه يقبل بحمل حقائبها وفتح لها باب السيارة أمام الناس وأن يكون حاضنا أمينا لأولادها إن كان لها أولاد قبل، إلي غير ذلك من الشروط.
ومن الملاحظ أن أكثر المتهافتين علي"نكاح العبودية الجنسية" أو "نكاح المنفعة"، هم من متوسطي الأعمار المنتمين إلي أسر مرموقة، بعضهم يطلق أم أولاده التي أحبته بفقره واحترمته ، لينكح من هي أحيانا أكبره منه في السن وأحيانا مشوهة المنظر أو الشرف أو مختلة العقل ، تستغله ك"الروبوت" لاشباع رغباتها الجنسية مقابل ما تدفع له من مال، مشكوك في حليته، راضيا بأن يكون مستعبدا جنسيا علي حساب شرفه ورجولته والعياذ بالله!!.
وتبرز ظاهرة انتشار "نكاح المنفعة" مدي تحطم القيم الاجتماعية في موريتانيا، وتجذر الميكافيلية، لدي النخب من أجل الحصول علي المال بأي وسيلة، كما تبرز أن نتيجة 36 سنة من حكم العسكر لموريتانيا، كانت سلبية بامتياز، حيث سلبت السلط العسكرية المتعاقبة إرادة المواطنين في أي شكل من اشكال الحياة الكريمة وفرضت عليهم إرادتها الرعناء في كل شيء بما في ذلك حق الاختيار لشريكة الحياة.
فهل من مجير؟
بقلم: ماموني ولد المختار، صحفي