أقدم مركز صحي في موريتانيا يحمل اسمه.. وكرمه الرؤساء من المختار ولد داده الى عزيز.(الصورة)

سبت, 2017-11-04 15:08

في منزله المتواضع القريب من مستشفى الحاج في مقاطعة لكصر بالعاصمة نواكشوط، يستيقظ أشهر ممرض في موريتانيا يوميا في وقت مبكر ليستقبل ضيوفه، في ركن خصصه لفتح عيادة بسيطة تستقبل فقراء نواكشوط ومدن الداخل.

في مثل هذا التوقيت من العام 1960 كان الشاب الطموح الأسمر الحاج ولد الحسن القادم من مدن الشرق الموريتاني البعيدة قد أكمل إجراءاته كمتعاون مع وزارة الصحة الموريتانية، ليلتحق بأول مركز صحي في البلاد، حين كانت العاصمة نواكشوط تتمركز فيما بات اليوم واحدة من تسع مقاطعات بضواحيها.

عمل الشاب تحت اشراف طبيب فرنسي لا يزال يذكر ان اسمه: "كاريير" بإمكانيات بسيطة تمثلت في مكتبين وغرفة معاينة وسيارة لاندروفير مخصصة للإسعاف: "كنا كفريق طبي ننتقل الى المواطنين وليس العكس، لكن كان أيضا هنالك تقدير كبير للأطباء في الستينات، وكانت الأدوية ذات قيمة علاجية عكس الأدوية التي تخضع اليوم للتزوير بشكل واسع".

مع تزايد الحاجة الى أطباء ومع الطموح الذي يتمتع به الحاج ولد الحسن، وبارشادات من كاريير المتطوع في الخدمة الصحية الفرنسية في المستعمرات والمستعمرات المتحررة للتو، وجد الحاج نفسه ممرضا وطبيبا وعنصرا من عناصر وزارة الصحة المكلفين بمواجهة الكوارث التي تحدث في مختلف أنحاء البلاد، حيث كان يواجه حالات انتشار الملاريا والحصبا والكوليرا، ويقضي شهورا في الأدغال مع الأطباء الفرنسيين والبعثات الصحية الدولية، لمعالجة المرضى في مخيمات صحية خاصة للحد من الأوبئة خاصة في ظل غياب الوعي الصحي لدى البدو الموريتانيين.

عام 1963 شارك في مسابقة للمرضين ونجح ليكون حاضرا بشك رسمي في كل مهمات وزارة الصحة الموريتانية: "تلك كانت نقطة عبوري بشكل رسمي الى التمريض، كنت قبلها صاحب تجربة لكن الانضمام الى الوظيفة العمومية أمر مختلف، حيث يتم الاعتراف بكل وتكون لديك إطار قانوني للعمل بدل الاستمرار في تقديم المساعدة فقط".

اليوم توجد ثلاثة أمراض اشتهر الحاج باستقبال مرضاها وشفائهم على يديه: أمراض الصدر – بعض الأمراض الجلدية- وامراض العيون، وهو يستعين في ذلك بالمتخصصين الشباب ممن اخذوا شهادات عليا في مختلف كليات الطب في العالم، وهم يعرفون ويعترفون بتاريخه الطبي، وبجدية وحيويته، حيث ان ثقة مرضاه فيما يقول تجعلهم يزورونه للاستشارة حول الطبيب الجيد ومختبرات الفحوصات المناسبة وحتى الدول الأحسن للتوجه إليها من اجل تلقي العلاج لمرض بعينه، فيما يكتفي هو بمتابعة الحالة وإعطاء الحقن ومنح الاستشارات الطبية، وتوفير معنويات مرتفعة للمريض، لكنه مشهور اكثر بالختان: (ابناء نواكشوط الذين هم اليوم الرجال الحقيقيون في الدولة، وكبار المسؤولين في الحكومات المتعاقبة، ختنوا على يدي حين كانوا اطفالا، وكذلك أبناؤهم، واحفادهم، إنني اليوم أتعامل مع بعض الأخصائيين في الطب، كانوا صغارا عندما أجريت لهم عملية ختان.. أشعر ان الزمن يمر بسرعة".

في غرفة داخلية من منزله، يحتفظ الحاج بشارات التكريم من الرؤساء الموريتانيين بدء بمؤسس الدولة المختار ولد داده، الى رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد عبد العزيز وهي تكريمات يرى انها شكلت دافعا بالغ الأهمية لمواصلة نشاطه: "عندما تشعر ان الرؤساء في بلادك يهتمون لنشاطك ويذكرون أفعالك بخير تشعر ان الوطن غفور رحيم.. وانه فعلا يحتضنك بعد ان احتضنته، أنا عمري والحمد لله اكبر من عمر نواكشوط، لقد احتضنته حين كان صغيرا، هو اليوم يحتضنني بدفئ وحنان، امثالنا ممن شاركوا في التأسيس لا يحلمون بأكثر من هذا".

"ما يميز الحاج هو انه لا يأخذ من مرضاه إلا مبالغ مالية ورمزية، وفي وقات كثيرة يعتذر عن اخذ المال، انه متعاون" كما تقول فاطم، وهي إحدى سيدة متزوجة جلبت زوجها المريض الى عيادة الحاج.

انه يستقبل في عيادته الفقراء والبسطاء، ويقدم لهم استشارات مجانية في اغلب الاحيان: ( انا من يشعر أحيانا بالحزن لأنني لم أتمكن من تقديم دواء مجاني لهم لانني لا املك صيدلية، اما بخصوص التعويض فغالبا أقدمه كمساعدة للمريض من اجل استكمال مبالغ شراء الدواء، هؤلاء الناس تربطني بهم علاقة اكثر من علاقة الطبيب بمريضه، لقد تعارفت مع آلاف المرضى منذ عشرات السنين، في وقت اليسر –وهي نادرة- آخذ التعويضات عن العمل وفي وقت العسر نقدم الخدمة مجانا لمساعدتهم".

اليوم يحمل المركز الصحي في لكصر اسم الممرض الأكثر شهرة في البلاد، لكن لا أحد يعرف انم الحاج لم يكن يوما مديرا هذا المركز الذي شكل أول نقطة صحية متخصصة في البلاد، كما هو شائع، بل كان مجرد ممرض ومتعاون مع وزارة الصحة، لكن قربه من قلوب المرضى، وتفانيه في العمل، وثقة المرضى في أنامله المدربة منحته تلك الشهرة ليس فقط في نواكشوط، بل في كل أنحاء البلاد.

الحاج يدخل يدخل عقده الثامن ولا يزال يتمتع بروح الشباب، ولا يزال قادرا على رفع معنويات مرضاه.. يبتسم للجميع وهو يرى اسمه يتحول شيئا فشيئا الى نقطة مضيئة نتيجة عطائه الكبير في مجال الطب والصحة في بلاده اللهم أحفظه وأجعله في ميزان حسناته أنشاء الله