الشركة الوطنية لصيانة الطرق بين السمسرة و التلاعب

اثنين, 2017-02-13 17:09

تشكل الطرق بمفهومها الواسع محورا استراتجيا من محاور السياسة العامة للدولة وشكلت الثورة الكبيرة التي شهدها البلد في ميدان تعزيز البنية الطرقية الوطنية وربط القرى و الأرياف بالمدن الكبرى متنفسا للعديد من المواطنين الذين استخدموا هذه الترسانة الطرقية لأغراض مختلفة اقتصادية، اجتماعية، سياسية و ثقافية، كل حسب غايته وقد أكد العديد من المواطنين أهميتها ودورها البالغ في ملامسة حياتهم و التخفيف من وطأة التنقل الشاق الذي كانوا يعانون منه و إلي الأمس الغريب و تلعب الطرق دورا رياديا في عملية التنمية المحلية و الحركية الاقتصادية للبلد وقد كانت ولازالت إرادة سياسية للسلطات العمومية و توجها حكوميا لا رجعة فيه، من هنا أنشئت الدولة المؤسسة الوطنية للصيانة الطرق التي عهد لها و هي مؤسسة ذات طابع عمومي تعمل تحت وصاية وزارة التجهيز و النقل بإعداد و تنفيذ المشاريع المتعلقة ببناء و تشييد الطرق و صيانتها من أجل مواكبة متطلبات المدينة، وقد عانت هذه المؤسسة  الناشئة من الفساد و سوء التسيير والرشوة و التلاعب بالممتلكات العمومية كغيرها من المؤسسات الوطنية و بقت كأي مؤسسة منفذة للعديد من المشاريع رهينة علاقات ضيقة و مسخرة لخدمة أشخاص استطاعوا من خلالها الفوز بالعديد من الصفقات من خلال اكتتاب العديد من مكاتب الدراسات و وكالات إيجار المعدات و تأجير السيارات وبيع الوقود و الأدوات ذات الطابع الفني ولا تخلوا أحاديث و نقاشات العاملين في هذه المؤسسة من أسماء شخصيات عمومية كانت وراء انهيار هذا الصرح الاقتصادي الكبير، وتعاقب علي إدارتها العامة العديد من الشخصيات الذين تمت مكافئتهم لا محاسبتهم بعد إقالتهم من إدارتها، و تواصل مسلسل النهب الممنهج ضد خيرات البلد و مؤسساته بدون وجه حق حتي تهالكت المؤسسة و أصبحت معرضة للانقراض، وسعيا من الدولة لتلافي الواقع فقد أسندت إدارتها العامة أخيرا للسيد وان وهو مهندس طرق كان إطارا في وزارة التجهيز و النقل يعرفه العارفين به أنه شاب هادئا محترما يكره الظهور و يعمل بصمت قبل مجيئه للمؤسسة التي قذفته الأقدار أن يكون مديرها العام و أسندت له مهمة الإصلاح و التقييم و ترتيب البيت من الداخل بعد أن أنهكتها الأيام و عاتيات الزمن و توقفت العديد من ورشات العمل و لم تفي مكاتب الدراسات و الأشغال بتعهداتها بالإضافة إلي مديونية ضخمة تضعف كاهل المؤسسة هذا بالإضافة لطاقم من المديرين ورؤساء المصالح و المهندسين ورؤساء الو رشات المشاكسين و الخارجين عن طاعة مرؤوسهم الذي دخل معهم في صراع بموجبه أقال العديد منهم و همش العدد الباقي و بدأت حركية تعود للمؤسسة من جديد خصوصا أنه قضي علي من يتهمون بأنهم رموز فساد و تنفس العامل البسيط نفس الحرية ، و ما انقشعت قيوم المعركة حتي شمر المدير الجديد عن سواعده وبدأ في مداعبة ملفات عجز سابقوه عن لمسها اكتتابات عشوائية للعديد من أبناء عمومته و المقربين منه التعاقد بشكل مذهل مع مؤسسات وهمية و تهميش كل من يعارض هذا التوجه حتي ولو كان بوابا في الوقت الذي يعيش فيه عمال الشركة الوطنية لصيانة الطرق في وضع مزري بسبب تأخر الرواتب واستحواذ المدير و المقربين منه علي زمام الأمور هناك و هو ما أكدته المعطيات الواردة و التي تأكد في مجملها أن المؤسسة تعيش حالة إفلاس و أن كافة ورشاتها توقفت و أن كافة الوزراء الذين تعاقبوا علي القطاع لم يستطيعوا إيقاف المد الجارف للمدير العام و حاشيته ومواصلتهم لعملية النهب الممزوج بطابع عنصري واضح يؤكد إستلاء العنصر الواحد علي مفاصل الأمور، خصوصا أن هذه المؤسسة عرفت موجة جهوية بحكم تعاقب شخصيات سياسية عليها لكنها لم تعرف يوما ميولا عرقيا كما هو واقع اليوم في كافة أجهزتها، وتأتي الزيارة الأخيرة التي أداها وزير التجهيز و النقل لبعض المؤسسات التابعة لقطاعه و محطة المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق لتؤكد تلك الشائعات التي كانت قد أنطقت و التي تفيد بأن الدولة بصدد جمع المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق مع ATTM من أجل الحفاظ علي ماء وجهها و إنقاذ المؤسسة من الإفلاس ليعتزز هذا الطرح من خلال رفض البرلمان الموريتاني المصادقة علي ميزانية المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق التي رأي فيها فسادا واضحا حراك لم يشفع لوزير التجهيز و النقل السابق حيث عصف به ملف طريق أنواكشوط روصوا الممول من طرف الاتحاد الأوربي و الذي يبدوا أن الوزير قدم عنه معلومات لشخصية سامية في الإتحاد الاروبي مما سبب إقالته علي وجه السرعة خوفا من إعطاء معلومة جديدة لا تخدم مصالح حكومية معينة، و استبداله بوزير جديد وهو ولد محمد خونة الذي يبدوا أن يتجه نحو تصفية المؤسسة أو تقليص مهامها و عمالها و أن نجح الوزير في خطوته فيجب علي الدولة أن تسدي خدمة لشعبها من خلال مسائلة و التحقيق مع المتورطين في ملفات فساد في هذه المؤسسة و تقديمهم للعدالة و محاكمتهم و حتي مصادرة ممتلكاتهم في حالة ثبوت التهم عليهم،  لكن حسب ماهو شائع فإن خجل القصر الرمادي من مداعبة الملف و عرضه و كشف أسراره يعود إلي تورط وزراء سابقون لتجهيز و النقل في صفقات فساد كبري في هذه المؤسسة مما يحول دون و ضع الأمور في نصابها وهم وزراء يتولون حاليا وزارات سيادية و أخري سياسية وقد تكون الأيام القادمة كفيلة بمعرفة ما ستؤول إليه المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق وسط تكهنات بغلق أبوابها و توديع العاملين فيها من الضعفاء و المساكين و مكافئة المتورطين في إفسادها و إفشالها وحتى تتضح قيوم الطريق المؤدية نحو هذه المؤسسة فإن الدولة مطالبة بصيانة الموجود قبل البحث عن المفقود. 

 

بقلم : حمين سيدي أمعيبسكاتب صحفي/ ناشط حقوقي