الردود على أسئلة التدوينة السابقة : الدولة في خطر د. البكاي ولد عبد المالك

أحد, 2017-01-15 10:48

 بقراءتي للتعليقات التي تفضل بها الأصدقاء حول التدوينة السابقة "الدولة في خطر" لا حظت أن أيا منها لم يتناول الجزء الأول المتعلق بخطر التزمت والتعصب الديني المتنامي وهو ما يطرح أكثر من سؤال في حين أنهم علقوا جميعا على الجزء الثاني المتعلق بخطر التطرف الاجتماعي وآثاره الهدامة على الدولة والمجتمع. وعلى الرغم من أن فكرتي في الأصل هي الإشارة إلى الخطورة التي يتضمنها ذانك الصنفان من التطرف في الوقت الحالي إلا أن نظرية المؤامرة يبدو أنها قد طغت ظاهريا على الأقل على أسلوب التدوينة مع أنني لم أكن يوما من أنصارها فالعقل لا يتجه إلى التفكير بالمؤامرة إلا حين الإقرار بالعجز. 
 وبما أنني قد تناولت في مناسبات عدة (دراسات وندوات وأحاديث إذاعية وتلفزيونية) تشخيص المشكلات المتعلقة بالعبودية واقتراح الحلول المناسبة لها (التي تتمثل إجمالا في المقاربة الاقتصادية التربوية) فإن هدفي في هذه المرة قد اقتصر على تنبيه الرأي العام إلى الأخطار المحدقة بالبلد في هذه الأيام : يتعلق الأمر بالتزمت والتطرف بكافة أشكاله. 
 إلا أنني لاحظت أن المعلقين على التدوينة لم يهتموا إلا بالجزء الثاني المتعلق بأسباب التطرف الاجتماعي وقد انقسموا في الغالب إلى قسمين :
 ففي حين مال البعض أن في الأمر تهويلا وان المجتمع موحد واحد متحد مال البعض الآخر إلى أن في الأمر تقصيرا وكان يتمنى لو حملت التدوينة عبارات أقوى تتضمن الشجب والإدانة.
 في المجتمعات التي توجد فيها درجة معينة من التماسك الاجتماعي والوعي المدني السياسي عادة ما يكون التعبير عن هذه المواقف مرتبطا بخلفيات أيديولوجية (لبرالية أويسارية أو إسلامية) وسياسية (موالية أو معارضة) وليست تعبيرا عن اصطفافات فئوية أو طبقية تعكس الخلفية الاجتماعية لكل شخص لكن هذا هو ما حدث في معظم الردود على هذه التدوينة وفي كل الحالات التي تثار فيها موضوعات من هذا النوع وهذا هو الخطر الذي أردنا الإشارة إليه في هذه التدوينة وفي غيرها وهذا الأمر للأسف هو تعبير عن درجة الاحتقان التي وصلنا إليها في هذه البلاد.
 ولكي أقدم للأصدقاء بعض التوضيحات والردود على استفساراتهم فيما يتعلق بالجزء الثاني من التدوينة أقول إن العبودية وآثارها تضعنا أمام خيارين لا ثالثا لهما :
إما أن ننكر وجودها ماضيا وحاضرا
وإما أن نقر بوجودها ماضيا أو حاضرا أو هما معا
في الحالة الأولى : ليست هناك مشكلة وستكون لدينا مساواة أصلية  في مرحلة معينة يمكننا بناء عليها العمل بمبدأ المساواة أمام القانون : لأن المدرسة تمنح للجميع حظوظا متساوية في التكوين في هذه الحالة تصبح كل الفروق الناجمة في المجتمع فروقا طبيعية تعود إما إلى الاختلاف في الاستعدادات الطبيعية للأفراد وفي ذكائهم والمهارات والكفاءات التي يتمتعون بها أو إلى تأثير البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية المحيطة وهو أمر طبيعي في جميع المجتمعات البشرية ، هذا النوع من الفروق مقبول ولا مناص منه أصلا نظرا للأسباب التي ذكرنا.
 أما في الحالة الثانية فالأمر مختلف هناك وضع غير طبيعي وهناك أشخاص حرموا من الملكية مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية : جهل متوارث فقر متوارث وتراتبية اجتماعية متوارثة...إلخ إذن الأمر يتعلق بحالة لا مساواة أصلية : خروج هؤلاء من حالة العبودية بغض النظر عن شرعيتها وعدم شرعيتها تاريخيا لا يعني خروجهم من آثارها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية الهدامة وهي الآثار التي تضع هوة شاسعة بينهم وبين أقرانهم في دولة المواطنة وتؤدي بالضرورة إلى وجود فروق بينهم وبين غيرهم في كل شيء تقريبا: في المعرفة والثروة والسلطة لهذا سمينا هذه الفروق بالفروق الجوهرية التي من شأنها أن توجد ولا يمكن إلا أن توجد. خصوصية الحالة الموريتانية تتمثل في أنها من آخر بلدان العالم الذي لا تزال آثار هذه الظاهرة بادية للعيان ينضاف إلى ذلك حجم المتضررين والنسبة المئوية التي يمثلونها في المجتمع .إن تلك الهوة ستظل دائما عائقا أمام التنمية فلا وجود لتنمية بدون استقرار ولا وجود لاستقرار بدون عدالة اجتماعية حقيقية 
 صحيح أن الفقر موجود في كل المستويات الاجتماعية لكن أسباب وجوده مختلفة ولذا لابد أن تكون المعالجة مختلفة أيضا وإلا فإن الهوة ستظل قائمة وطالما بقيت تلك الهوة فإن الوحدة الوطنية ستظل في خطر 
 إن انعدام حالة المساواة الأصلية بين أفراد المجتمع يجعل الفروق الناجمة عن ظاهرة العبودية فروقا مختلفة عن أي نوع آخر من الفروق الموجودة لدى فئة مهمشة أخرى ، كما أنها ليست فروقا بسيطة أو طبيعية وليست من جنس الفروق المقبولة في الديمقراطيات الحديثة بل تحتاج إما إلى عدالة انتقالية وإما إلى تمييز إيجابي ولا وجود لحل ثالث – راجع ما كتبناه في مقالنا : "التفرقة ، الفروق ، ومبدأ الفرق" . 
 قناعتي أن أسوأ سلاح يمكن أن يواجه القوى الظلامية من جميع الأطياف هو سلاح الاعتدال وأنا لا أملك سلاحا غيره. رفع المظالم والإرث الإنساني المتعلق بالعبودية تفكير استراتيجي قبل أن يكون مسألة عدالة. وهذا ما لا يدركه إلا أصحاب النظر البعيد وأصحاب الضمائر الحية وهم من أخاطبه في المقام الأول مع احترامي لجميع الأصدقاء.