حول المنتدى و"تواصل" بقلم محمد الامين ولد سيدي مولود

خميس, 2017-01-12 12:25

قبل أسابيع أحرجني أحد الشباب المعارضين سابقا المنضمين حديثا إلى الأغلبية في نقاش ودي سريع حيث قال إن المعارضة تعرف ما لا تريد، لكنها لا تعرف ما تريد. نعم، أنا اعترفت بالأمر، فنحن لا نريد النظام القائم، ولا نريد الفساد ولا نرضى عن الواقع، لكن لا نعرف ما نريد تحديدا. فالمعارضة لا تملك برنامجا موحدا، ولا رؤية موحدة بخصوص أهم القضايا المطروحة، فما بالكم بما دون ذلك...

الاحتكاك الذي حصل بين بعض قادة المنتدى (عادل وحاتم من جهة، وتواصل من جهة أخرى) بخصوص تقييم البرلمان الحالي هو مجرد انعكاس وتذكير بالهوة الموجودة بين مكونات المعارضة جميعا، والمنتدى تحديدا، وهي هوة تجسدت بشكل واضح عند مشاركة تواصل منفردا في الاستحقاقات النيابية والبلدية الأخيرة، ثم بانسحاب التكتل لاحقا من المنتدى، ولكل أسبابه التي شرح. بل ربما هي هوة وجدت قبل ذلك في محطات أخرى منها تأييد حاتم للانقلاب والمشاركة في حكومة انقلابية، وتأييد التكتل لهذا الانقلاب كذلك قبل التراجع والمشاركة مع الجبهة، وقبل الجميع عندما انخرط التحالف إلى جانب القوى التقليدية لقطع الطريق أمام انتخاب ممثل المعارضة 2007 الرئيس أحمد ولد داداه.

هنالك خلل جوهري في الطرح المعارض في البلد، بل وفي عموم الطرح السياسي هنا، فنحن نخلط بين الشرعية الدستورية والقانونية التي يسهل الحصول عليها شكلا ويصعب نزعها، وبين مصطلح سياسي يسهل تكييف أي واقع سياسي طبقه وهو "الشرعية السياسية". وهنا وقعت ألوان معارضة في هذا الخطأ في حكمها على النظام، وهاهي تقع فيه في الاحتكاكات البينية. فبعض من اعترفوا بانقلاب عزيز، وهو أسوأ انقلاب في تاريخ البلد من منظور دستوري لأنه حصل ضد رئيس مدني منتخب لم تطعن أي جهة في انتخابه، بعض هؤلاء قالوا ـ لاحقا ـ بعدم شرعية عزيز بعد ما نازلوه في الانتخابات وهزمهم (كتبتُ حول أسباب الهزيمة وضرورات المرحلة، قبل 7 سنوات بعنوان "اعترافات معارض مهزوم)، وبعضهم يقول بعدم شرعية البرلمان الأخير لأنه قاطع انتخاباته.

جميع الانتخابات التي حصلت في ظل عزيز بعد الاجماع في حوار داكار هي انتخابات شرعية شكلا. وإذا ما استثنينا مجلس الشيوخ الذي تجاوز فترته الدستورية والمؤسسات المنبثقة عنه، أو المشارك في تشكيلها، فإن كل المؤسسات القائمة يمكن اعتبارها مؤسسات شرعية من الناحية الشكلية على الأقل. لكن هل هذا يكفي للسكوت على تقصيرها أو فسادها أو ضعفها، أو عدم قيامها بواجباتها تجاه الشعب؟ طبعا لا، فالانتخابات هي مجرد آلية ـ بل هي الآلية الوحيدة افتراضا والأهم ـ لاختيار من يقودون ثم الشروع في محاسبتهم سياسيا واعلاميا، وربما قضائيا ان استدعى الامر حسب أدائهم.

لقد قاطعت المعارضة ـ باستثناء تواصل ـ الانتخابات البرلمانية الماضية وكنتُ حينها من النشطاء في هذه المقاطعة، ويسعفني ارشيف من المقابلات التلفزيونية ومن التدوين والكتابات، ولكن لاحقا تأكدت أن خيار المقاطعة في البرلمانيات والبلديات كان خاطئا، رغم سوء الظروف المتاحة. ثم قاطعتْ المعارضة جميعها ـ باستثناء بيرام ـ الانتخابات الرئاسية، وحسنا فعلتْ، إذا لا توجد أي أرضية مناسبة لمنازلة من يستخدم نفوذ الدولة وسطوتها والقبائل ورجال الأعمال الخ، ولكن هذه المقاطعة لا تطعن دستوريا في شرعية الرجل، وإن كانت تشوبها سياسيا. ونفس الشيء ينطبق تقريبا على البرلمانيات الفارطة، ويجر طرفه على نواب تواصل. إنما هي شية سياسة لا مطعن دستوري، هنا يجب قبول الأمر فيما يتعلق بالرئيس وبالبرلمان، ومن يرفض ذلك عليه رفضه جميعا..

أداء البرلمان الحالي أداء باهت بما في ذلك نواب تواصل، فباستثناء مداخلة او اثنتين للنائب غلام، لا أتذكر شخصيا أي أداء ملفت لأي نائب معارض في البرلمان الحالي، بل يمكن أن يقال أنه برلمان ضعيف باهت مائع. وأبعد من ذلك كان أداء تواصل في مؤسسة المعارضة أداء دون المستوى بكثير مع الأسف، لقد ماتت مؤسسة المعارضة في ظل تواصل، أو هي تحتضر ...!

لكن أين أداء المنتدى دون "تواصل"؟ هل يمكن أن يكون أقطاب نظام معاوية، وركائز فترة اعل الانتقالية، ومغاضبو نظام عزيز هم البديل عن "تواصل" أو المنافس له؟ لا أظن، فالمنتدى يعول على تواصل في كل شيء خاصة إذا تعلق الأمر بالحشد أو الاعلام. لقد ضعف المنتدى بخروج "التكتل" وازداد ضعفه بتراجع أداء تواصل، وبتلك الهزات الداخلية التي عاشها "تقدم"، ومع ذلك يمكن تدارك الأمر بنقاش جدي وصريح والبدء في أمور عملية جادة، وخاصة إن استطاع المنتدى ـ أو قل المعارضة التقليدية ـ بناء نواة صلبة أبعادها تلك القوى المعارضة تقليديا مثل التكتل وتقدم وتواصل وحاتم والمستقيل (جماعة الساموري) الخ لكن الأمر يحتاج بعثا جديدا وخروجا من مأزق الركود هذا، وهيمنة الوافدين الجدد ممن لم تعرفهم منابر النضال ولا شوارع الاحتجاجات، ولم يستشقوا مسيلات الدموع ولا نظموا وقفات أو اعتصامات ضد قمع الحريات أو ارتفاع الاسعار أو فساد التعليم والصحة أو تدهور الأمن الخ كما أنه يحتاج الانبتات عن فكرة نزع الشرعية مجانا سواء عن النظام أو عن المعارضة، فهناك نصوص دستورية واضحة وقوانين انتخابات هي وحدها التي تنزع هذه الشرعية، وما لم يحصل ذلك فإن "عدم الشرعية" ستكون عبارة مائعة، حتى ولو استخدمناها ضد خرق الدستور فيما يتعلق بالمأموريات مثلا، لأننا نكررها في غير محلها.

إن الشرعية الانتخابية لا تعني عدم تعرض المنتخَب للنقد والتمحيص ضمن الآليات الديموقراطية المعروفة والمتاحة. ولكن عدم الرضى عن أداء هذا المنتخَب لا يعني القدرة على نزع الشرعية الدستورية عنه ببساطة.