الموت يهدد سكان أنواكشوط(تقرير)

سبت, 2015-10-03 21:40

في الوقت الذي تدعي فيه السلطات الصحية تطويق انتشار حمى الضنك في نواكشوط فإن عدد المصابين لا يزال في ازدياد، وهناك مخاوف من تطور الاعراض إلى ما يشبه حمى نزيفية بعد الابلاغ عن وفاة ثلاثة مصابين بهذه الحمى في مركز الاستطباب الوطني.

ورغم عدم وجود تقديرات لضحايا حمى "الضنك" والتي تحولت من تيارت إلى عرفات فإن كل المؤشرات تؤكد حدوث عدة وفيات بسبب هذه الحمى خاصة بين كبار السن والأطفال في نواكشوط.

أما الطور الجديد للحمى والذي هو أشد خطورة فإن السلطات مطالبة باتخاذ تدابير أكثر عملية لحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا وذلك بتحسين خدمات الطوارئ وتجهيزها لاستقبال مثل هذه الحالات وكذا بالتوعية بأسباب وأعراض المرض وسبل الوقاية منه.

موفد السراج كان قد زار بعض أقسام الحالات المستعجلة في السبخة وزايد والصداقة وعاد بالتقرير التالي:

طوارئ غير مجهزة  

في قسم الحجز بالمركز الصحي بالسبخة كان عدد المرضى أقل مقارنة بحالات الطوارئ في كل من مستشفى الصداقة وزايد لكن يبدو العبء كبيرا عندما يتعلق الأمر بمستوى التجهيزات والطاقم حيث لم يكن هناك سوى بضع أسرة في غرف متباعدة فيما يتجول بينها ممرض واحد يبدو أنه المسؤول عن المناوبة.

أحد المرضى قال إنه وصل إلى المركز بعد شعوره بالإعياء والحمى والقيء ولولا معرفه بأحد العاملين في المركز لما توجه إلى هنا إذ يبدو أن القسم غير مجهز للطوارئ، وهو شبه مهجور هذه الأيام بسبب البرك والمستنقعات التي تطوقه من كل جانب وأدت إلى عزل الكثير من الإدارات والمصالح الصحية الملحقة بالمركز.

غير بعيد كان أحدهم يسأل عن قسم الولادة بالمركز الصحي وهو الأكثر نشاطا وحركة لارتباطه في الأذهان بمشروع التكلفة الجزافية للحمل حيث لا تتحمل المتابعات في هذا البرنامج سوى جزء بسيط من تكاليف متابعة الحمل والولادة حتى ولو كانت قيصرية ولا تتعدى رسوم التسجيل أزيد من 5000أوقية.

لكن واقع هذه الخدمة أصبح يدعو إلى الرثاء عندما يجري تحويل المتابعات فيه إلى هذا المركز النائي الذي يجاهد العاملون فيه لتقديم أبسط خدمات العلاج بسبب شح الوسائل، وصعوبة التقييد بالنظافة في بيئة موبوءة بالأوساخ والباعوض والذباب يعلق أحد العمال.

على الأرضيات خارج الحجز يتجمع ذوو المرضى في انتظار البشارة بمولود بعد ولادة متعثرة أو الانتهاء من عملية قيصرية ناجحة كانت صاحبتها على شفا الهلاك.

أحمد محمود أحد هؤلاء كان يضع بعض الأمتعة في صندوق سيارته المتقادمة استعدادا للذهاب قال إنها ثاني مرة يحضر فيه للمركز رفقة زوجته التي خرجت قبل ساعات من غرفة العمليات بعد عملية قيصرية ناجحة لله الحمد، وكانت التكاليف عادية لاستفادتها من برنامج التكلفة الجزافية ومع ذلك تظل الشكوى من تدني وسائل التعقيم والنظافة على كل لسان .

علاج بمضاعفات جزافية

إحدى الممرضات سبق وأن تلقت تدريبا بالمركز قالت إن التكلفة المخفضة للحمل ربما تكون على حساب المرضى عندما يجتهد الممرضون في تقليص المصروفات إلى الحد الذي لا يتورعون فيه عن عدم تعقيم الأدوات المستخدمة وفي أحيان كثيرة يجري استخدام الأدوات لأكثر من مريض ولا تزال تذكر ذات مرة عندما كتبت وصفة لشراء قفازات طبية وضمادات معقمة لإجراء عملية قيصرية لكنها فوجئت من ردة فعل الممرضات عندما قاموا بتمزيق الوصفة وتنبيهها إلى أن المرضى لا يدفعون أي تكلفة وبالتالي لا ينبغي إعطاؤهم أي وصفات حتى ولو كانت لإنقاذ حياتهم من أمراض معدية كالكبد وغيره من الإمراض المنتقلة عن طريق الدم.

إحدى الأمهات قالت إنها خضعت لعملية قيصرية بالمركز عند ولادة طفلها الأول لكنها فوجئت بتلوث الجرح وإلتهابه مما سبب لها مضاعفات صحية خطيرة استدعت إعادة خياطة الجرح مرة أخرى لكنها لم تكن تدرك أن السبب يكمن في الأدوات الجراحية غير المعقمة !!

في قسم الحجز لا يريد المرضى إن يبقوا كثيرا في الجو الخانق للمستوصف لذا بمجرد شعور أحدهم بالتحسن يبدأ في الإلحاح في قطع العلاج مما يؤثر على صحته تعلق إحدى الممرضات وهي تقول بان أغلب حالات الحجز هي بسبب الملاريا وليس حمى "عرفات".

حالة استنفار

حالة استنفار غير معلنة تشهدها أقسام الطوارئ بالمراكز الصحية العمومية والمصحات الخاصة في عرفات ودار النعيم.

عشرات المصابين بالحمى والإسهال ومن مختلف الأعمار يتردون يوما على هذا المراكز بعضهم يجري إحالته للحجز فيما توصف مخفضات الحرارة من مشتقات البارستمول للكثيرين ويتم صرفهم لعدم وجود أسرة فارغة..

بعض الصيدليات وفرت استشارات مجانية للمرضى لترويج أدويتها لعلاج الحمى واضطرت لشراء كميات جديدة من الأدوية عالية الطلب هذه الأيام يعلق أحد المرضى وقد خرج لتوه من غرفة الكشف حيث وصف له الطبيب حقنة ومهدئ للحرارة بتكلفة 2000أوقية فيما كانت الاستشارة مجانية لذا يشكر مثل هذه المبادرات التي تسعف المرضى من محدودي الدخل، وتجنبهم التردد على أبواب المستوصفات العامة حيث الاكتظاظ والإهمال وفق تعبيره.

وينصح مرضى الحمى بالاستحمام وبالراحة مع الابتعاد عن تناول الأدوية الكثيرة بسبب كثرة التنقل من عيادة لأخرى فالحمى لا علاج لها غير الراحة وفق تعبيره.

مأساة تتجدد

وفي الوقت الذي لا توجد فيه إحصائيات محددة بعدد مرضى حمى الضنك إلا أن العدد بالمئات في نواكشوط إن لم يكن بالآلاف حسب المراقبين.

ومع الانتشار الوبائي للحمى كان تدخل السلطات على استحياء ودون الحديث عن أي أرقام فالمرض وافد من الخارج، واقتصرت جهودها على حملة لرش مبيدات لا تزال نتائجها محل شكوك!

وإلى أن تأخذ السلطات الأمر بجدية أكثر وتعمل على زيادة الطواقم الطبية والأسرة في أقسام الطواري،وتعزز جهود ها بحملات لردم البرك والمستنقعات التي توفر بيئة حاضنة للباعوض والحشرات وتتخذ تدابير أفضل للوقاية والعلاج فإن ماساة سكان نواكشوط مع حمى الضنك أبعد من أن تنتهي بل إنها مأساة متجددة كما تدل على ذلك قرائن الأحوال وشواهد الواقع.

حمى وبائية

الدكتور عالي ولد دد قال إن حمى الضنك حمى فيروسية لا تستجيب للعلاج وتصعب الوقاية منها نظرا لتعدد نوعيات الفيروس المسبب للمرض إلى أربعة أنواع ولابد أن يصاب المريض بكل الأنواع حتى يكتسب مناعة ضد المرض الذي تنقل عدواه نوعية خاصة من الباعوض المرقط والتي لا تنشط إلا في المساء وأوقات الغروب.

ويكون المريض حاملا للفيروس بعد لدغة هذا النوع من الباعوض حتى ولو لم تظهر عليه الأعراض والتي لا تظهر عادة إلا بعد أسبوعين من التعرض للإصابة.

وتكون الأعراض بداية كأعراض الانفلونزا مع الآم في محاجر العينين، وصداع وغثيان وأحيانا آلام مفصلية و كذا في منطقة الظهر و طفح جلدي لدى بعض الأطفال....وارتفاع درجة الحرارة والتي عادة ما تبدأ في الهبوط بعد خمسة أيام من الإصابة لكن تبقى مضاعفاتها والتي تتطلب أياما من الراحة وتلقي العلاج.

أما العلاج فيكون بإعطاء مخفضات للحرارة وبكثرة استهلاك السوائل بسبب ما يتعرض له المريض من فقد للسوائل والإعياء بسبب الإسهال والحمى.

وينصح الدكتور عالي باستخدام الناموسيات ليلا وبعدم الخروج وقت المساء وبعد صلاة المغرب حيث تنشط الباعوضة الحاملة للفيروس، كما ينبغي لبس ملابس فاتحة اللون وسابغة تغطي مناطق واسعة من الجسم تفاديا للسعات الباعوض.

ويشير الدكتور إلى وجود طور خطير من حمى الضنك يكاد يشبه الحمى النزفية مما يستدعي رعاية طبيبة سريعة للمصاب، أما الطور الشائع والذي هو بالمناسبة مرض خاص بسكان المدن حيث لا يكاد يوجد في الأرياف فرغم عدم وجود علاج له في الوقت الراهن إلا أن علاج مضاعفات الحمى من خلال مخفضات الحرارة مع الإكثار من تناول السوائل والخلود للراحة يظل من أبسط وسائل العلاج المتداول.

متابعة موقع"السراج"